+ -

 ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، توجد في جميع دول العالم (تحتل الجزائر في مؤشر الفساد المرتبة 117 عالميًا بـ33 نقطة من أصل 180 دولة)، وإن اختلفت مدى خطورتها من دولة لأخرى، حيث تمثل هذه الظاهرة إحدى القضايا الكبرى التي تحتل اهتمام المواطنين في جميع الدول، وأحد أبرز وأخطر المشكلات التي اتفقت تقارير الخبراء والمختصين على ضرورة مكافحتها وعلاجها، وذلك لما لها من قدرة على انتهاك القيم والمعايير الأخلاقية من جهة، ولما تسبِبه من مخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها من جهة أخرى، ولأن الفساد هو عنوان التخلف وعدو التطور والتقدم.وبالطبع يؤثر الفساد على تنمية المجتمع وسيادة القانون فيه، ويقترن الفساد بأشكال الجريمة، خصوصا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية وتبييض الأموال، كما تتأثر موارد الدول والمجتمعات بممارسات الفساد المختلفة، مما يهدد الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة لهذه الدول والمجتمعات.منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها عرف الفساد، وإن تنوعت طرقه بتنوع المجتمعات واختلاف الأزمان، وكانت نتائجه وخيمة على البشرية مما استدعى مكافحته، فحب المال غريزة طبيعية لدى الإنسان، ويتطلب الحصول عليه المعاناة، وهو ما جعل البعض يحاول الحصول عليه بشكل غير مشروع.وترجع أسباب الفساد الذي نعاني منه في حياتنا المعاصرة إلى: غياب الضمير، وتحكم الهوى والجشع، والإسراف والتقتير، وفساد ولاة الأمور في بعض المجتمعات، والشعور بالظلم، وعدم عدالة توزيع الدخل والثروة، وعدم إخراج حقوق الفقراء والضعفاء، وتعسير الحلال، وشيوع الربا والأساليب غير العادلة في الحصول على الأموال واستخدامها.. فضلًا عن عدم حوكمة الأنشطة والإجراءات، وتدني الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، وضعف الرقابة، وضعف النظام العقابي.لقد جاء الإسلام بضمانات تشكل حصانة من الفساد وكفيلة بملاحقة المفسدين، فالله لا يحب الفساد ولا يصلح عمل المفسدين، والدار الآخرة هي من نصيب أولئك الذين سعوا للصلاح والإصلاح، ولمواجهة الفساد والمفسدين، وأساليب الشرع في النهي عن الفساد ومحاربة المفسدين، والحث على الصلاح والإصلاح كثيرة ومتنوعة.فلقد حرم الإسلام كل صور الكسب غير المشروع التي يتحصل عليها الموظف العام بوصفه حاكمًا يفترض فيه النزاهة والأمانة؛ فلا يسرق ولا يختلس ولا يرتشي ولا يستغل ولا يتربح ولا يستولي على أموال الدولة أو الأفراد، حتى يؤدي ما نيط به من خدمات لصالح العامة من الناس، دون انتهاك لمبادئ العدالة والمساواة فيما بينهم، قال تعالى في كتابه العزيز: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقًا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}، وكذلك حرم الإسلام استغلال النفوذ ليتكسب الموظف أو يتربح من وراء الوظيفة بغير وجه حق، بحجة أنها هدية منحت لشخصه وليست بسبب وظيفته أو عمله العام الذي يضطلع للقيام به، حيث قال الله سبحانه وتعالى في محكم آياته: {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}، وقد حرم الاسلام كذلك اختلاس الأموال العامة مهما كانت ضآلة المبلغ المختلس وأيًا كانت صورة الاختلاس، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا (إبرة خياطة) فما فوقه كان غلولًا يأتي يوم به يوم القيامة”.إن الإسلام لا يقف في مواجهة الفساد عند سن التشريعات التي تحمل عقوبات للمفسدين فحسب، بل جاء بما هو أفضل من ذلك، وهو تربية الإنسان المناهض للفساد، فالمسلم الملتزم بتعاليم وأحكام دينه لا يعرف الفساد، والضمير الديني داخل الإنسان ينهاه دائمًا عن كل ما هو حرام في كسب المال، والحرص على الأمانة في أداء الواجبات الوظيفية، والإخلاص في العمل، وإعفاف النفس عن المال العام، وتجنب مواطن الشبهات.إن الشريعة الإسلامية قادرة على اقتلاع الفساد من جذوره لو طبقنا تعاليمها وقواعدها تطبيقًا صحيحًا ودققنا في اختيار من يتولى المسؤوليات العامة؛ فتعاليم الإسلام توفر البيئة النظيفة الخالية من الفساد، ذلك أن مكافحة الفساد هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية في إصلاح منظومة المجتمع المسلم. “لا يمكن مكافحة الفساد، من دون حق المواطن في النفاذ إلى المعلومة، وإعلام مستقل يملك حريته المسؤولة في الكشف عن قضايا الفساد، والقدرة على القيام بالاستقصاء، والجرأة على مواجهة المسؤولين المتورطين والمتواطئين مع الفساد، مهما كانت مستوياتهم ومناصبهم”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات