+ -

يقول الحق سبحانه: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون}، ويقول أيضا: {يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، وكان الشيطان للإنسان خذولا}، معنى الآية الأولى جلي بيِّن، ومعنى الثانية: أن الشيطان يعد ويمني ويزين لأتباعه الباطل والمعصية ليغويهم، حتى إذا وقعوا على أم رؤوسهم تخلى عنهم.اعلم رعاك الله أنه ما من واحد فينا إلا وله أهداف وغايات يسعى إلى تحقيقها ويطمح إلى نيلها، فكم نرى أقواما يرهقون أنفسهم لتحقيق ما يريدون فلا يكون، في حين أن آخرين لا يبذلون إلا جهدا يسيرا ومع ذلك يوفقون، ترى ما سر نجاح زيد وفشل عمرو!!.لا شك أن وراء ذلك أسرار، وأعظمها قدر الله وقضاؤه: {وكان أمر الله قدرا مقدورا}، وفي الصحيح أوصى عبادة بن الصامت ولدا له فقال: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة”، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من مات على غير هذا فليس مني”.ومن الأسباب توفيق الله تعالى للعبد؛ فمن كان قلبه معلقا بخالقه يطلب منه المدد والعون فهو من أهل التوفيق، ومن كان قلبه معلقا بغير ربه، وكله إلى ما تعلق قلبه: {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا}، يقول ابن القيم رحمه الله: (قد أجمع العارفون بالله على أن الخذلان أن يكلك الله إلى نفسك، ويخلي بينك وبينها، والتوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك)، ونجد هذا المعنى جليا في الدعاء الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام لفاطمة رضي الله عنها قال: قولي: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”.ومن الأسباب كذلك نية العبد وقصده، وما يقع في قلبه قبل إقدامه على ما يريد، فعلى قدر نية العبد وحسن مراده أو سوء رغبته يكون توفيقه وإعانته، أو خذلانه، فالمعونة من الله تنزل على العباد بقدر نيتهم الخير، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك، فمن صدق الله صدقه، وفي الحديث المشهور: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”، فشتان شتان بين امرئ طاهر القلب، زكي النفس، سليم الصدر، وبين آخر فاسد الطوية، شاك مرتاب، صاحب هوى، متربص الشر بغيره، قال تعالى: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} أي: لا تمل مع أهواء نفسك وحظوظها، فيصرفك الله عن الدلائل الدالة على الحق.ومن الأسباب أيضًا العمل الصالح، قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، هذا هو الميزان عنده سبحانه، فليس بينه وبين العبيد قرابة بالنسب ولا بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطان، فعند الله التميز بالعمل الصالح، يتضح هذا المعنى في الحديث القدسي الذي يقول الله تعالى فيه: “.. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها...”.ومن أسباب التوفيق أو الخذلان نشر الخير والدعوة إلى الله، والإصلاح بين الناس، فإنها رسالة الأنبياء ونهج المرسلين: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}. وفي المقابل، فإن من سخّر نفسه وجهده لنشر الشر بين الخليقة، ولا يدع طريقا للإفساد إلا سلكه، فإن مآله الخذلان والعياذ بالله.* إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر1

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات