
من بيونس إيرس إلى باريس، ومن بغداد إلى بلغراد، ومن القاهرة إلى آكرا، ومن طوكيو الى أوهايو، ومن الرياض إلى جنيف، ومن دمشق إلى ستوكهولم، ومن عمّان إلى برلين، ومن باماكو إلى روما، إلى عواصم عديدة. أقنعت الثورة الجزائرية بعدالتها شخصيات عالمية ولدوا خارج الجزائر فأصبحوا مساندين وأصدقاء لثورتها. وعرفانا بدور هؤلاء الأصدقاء ووفاء لالتزامهم الذي لا تكفي الصحف لذكره ستكون لنا وقفة مع بعضهم.
سياسي سويدي، زعيم حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي منذ سنة 1969. أصغر وزير أول في أوربا نهاية الستّينات رئيس وزراء السويد مرتّين، سنة 1969 وسنة 1976، عرف بعلاقاته مع الرئيس الراحل ياسر عرفات ومع صدام حسين والرئيس الكوبي فيدال كاسترو.
أولف بالمOlof Palme من مواليد سنة 1927 بستوكهولم عاصمة مملكة السويد.
عرف بنشاطه السياسي المبكّر منذ أيّام الدراسة، كما عرف عنه ولعه بتعلّم اللّغات، إذ كان يتقن 6 لغات حيّة، درس في جامعة ستوكهولم وحاز فيها على شهادة في الحقوق، كما تحصل على منحة للدراسة في بريطانيا ونال بها شهادة في الفنون وحصل على رتبة نقيب احتياط في سلاح المدفعية.
انتُخب عضوا في البرلمان سنة 1957، وكان يومئذ أصغر نائب برلماني، عبّر عن مواقفه الجريئة وصراحته الشديدة فيما يخص كثير من القضايا الدولية مثل قضايا السلام والديمقراطية والتفاهم الدولي والأمن.
شغل بالم العديد من المناصب الوزارية، وزيرًا للنقل والاتصالات في عام 1965، وزيرًا للتعليم في عام 1967، فرئيسا للوزراء سنة 1969 إلى 1976، ثمّ من سنة 1982 إلى 1986 تاريخ اغتياله.
ظل أولف بالم شخصية محورية ومستقطبة في الداخل وكذلك في السياسة الدولية منذ السّتينيات من القرن العشرين، تمسّك بسياسة عدم الانحياز تجاه القوى العظمى ودعمّ العديد من حركات التحرير في العالم إفريقيا وآسيا وأمريكا اللّاتينية.
كان أول رئيس حكومة من أوروبا الغربية، يزور كوبا بعد الثورة رغم الحصار وألقى كلمة أعلن فيها عن مساندته للثوّار الكوبيين والكمبوديين.
أعلن بالم صراحة انتقاده السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وكذا للاتحاد السوفيتي في كثير من الأحيان، خاصّة الطموحات الإمبريالية والأنظمة السلطوية، كما عارض الأنظمة غير الديمقراطية في العالم، منها نظام فرانشيسكو فرانكو في إسبانيا وأنطونيو دي أوليفيرا سالازار في البرتغال وغوستاف هوساك في تشيكوسلوفاكيا وسياسة ليونيد بريجنيف في الاتحاد السوفيتي، ويليم بوتا في جنوب إفريقيا. عارض الولايات المتحدة في حربها في فيتنام وأعلن قبوله استقبال الجنود الفارّين من الحرب في السويد.
كما كان بالم من أكبر المنتقدين للكيان الصهيوني ولم يخف تأييده ومساندته العلنية للقضية الفلسطينية وربط علاقات وطيده مع الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي وجّه له دعوة لزيارة ستوكهولم في عام 1983 ، مما أثار غضب سلطة الاحتلال الصهيوني وموجّه غضبا لدى الأحزاب اليمينية المساندة للصهاينة في أوروبا، وكانت له فرصة تاريخية للقاء زعيم الثورة الفلسطينية وقائد منظمة التحرير الفلسطينية السيد ياسر عرفات لأول مرة شهر نوفمبر 1974 أثناء زيارته للجزائر وبترتيب من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، كما كانت له علاقات مع الرئيس العراقي صدام حسين والرئيس الكوبي فيدال كاسترو. أعلن بالم مساندته للثورة الجزائرية في الخمسينات وبالضبط منذ سنة 1958، وتمثّلت مساندته في جمع الأموال، القيام بحملات دعائية للثورة الجزائرية وسط حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي، كان يعلن صراحة في اجتماعات الحزب عن وقوفه إلى جانب الشعب الجزائري في كفاحه العادل، وقد جاهر بموقفه علانية في مؤتمر الأحزاب الاشتراكية الذي انعقد سنة 1960 بألمانيا، حيث استقبل الوفد الجزائري وأعرب له بحضور الوفد الفرنسي عن رغبته في حصول الجزائر على استقلالها، ممّا أغضب الوفد الفرنسي الذي انسحب من جلسات المؤتمر، ساهم أولف بالم في تقديم المساعدات للاجئين الجزائريين خاصة الأطفال منهم، وترأس جمعية كانت تتكفل بأطفال اللاجئين الجزائريين تسمّى RedaBarneen
ظلّ مساندا للقضية الجزائرية رغم المضايقات إلى غاية الاستقلال نتيجة لمواقفه الجريئة ومساندته للحركات التحررية وانتقاده للإمبريالية العالمية كان ضحيّة لعملية اغتيال يوم 28 فيفي 1986 بمدينة ستوكهولم، حيث أقدم مجهول على قتله عند الساعة الحادية عشرة ليلا، أثناء خروجه من قاعة سينما في إحدى شوارع ستوكهولم عائداً إلى منزله برفقة زوجته إليزابيت.
تعدّدت الاتهامات حول مرتكبي جريمة القتل بين أجهزة الاستخبارات التابعة لجمهورية جنوب إفريقيا نظرا لمناهضة سياسة الفصل العنصري أو وكالة المخابرات المركزية أو أجهزة المخابرات البريطانية بسبب مواقف الرئيس أولوف بالم المعارضة لليبرالية الغربية، أغتي لبالم وبقيت مواقفه في محاربة الكولونيالية والعمل الدؤوب على استقلال الشعوب وتقرير مصيرها والدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد وتطبيق المساواة بين الشعوب ومحاربة العنصرية بكافة أشكالها والأهم مساندته للثورة الجزائرية.