أحمد بن نصر الداودي التلمساني وشرحه للموطأ وصحيح البخاري

+ -

 أحمد بن نصر الداودي الأسدي الأموي الطرابلسي التلمساني، من أئمة المالكية بالمغرب، ويكنى بأبي جعفر، وكناه الزركلي بأبي حفص، وهو غير صحيح، وقد اتفقت كلمة المترجمين حول اسمه وكنيته، إلا أنه قد يقع البعض في الخلط بينه وبين أحمد بن نصر الهواري أبو جعفر (ت: 319 هـ)؛ وذلك للتشابه الكبير بينهما، وقد استشعر صاحب “الشجرة” هذا الأمر فعمد إلى التعقيب على ترجمة أحمد بن نصر الهواري بقوله: “وفي المالكيين القرويين من يشبهه وهو أحمد بن نصر الداودي”.إن جميع المصادر التي ترجمت للدادوي، والتي أمكن الرجوع إليها، لم تذكر شيئا عن ولادته ولو بالإشارة، إلا أن بعضها قد أشار إلى مكانها، حيث كانت بالمسيلة وقيل ببسكرة.وقد كانت للداودي رحلة علمية ذات اتجاه واحد، بدأت من طرابلس وانتهت به في تلمسان حيث مات هناك، وقد كانت المرحلة الأولى من حياته بطرابلس حيث كان طلبه للعلم، واشتداد عوده في المعرفة، مع اقتحامه ميدان التأليف، فكان بها تأليف كتابه “النامي في شرح موطأ الإمام مالك”، وإملاؤه على طلبته، ليتجه بعد ذلك إلى تلمسان، حسب ما يذكره جمهور المترجمين له، حيث ألف بها كتبا كثيرة، وفي مقدمتها كتابه الذي حاز به الشرف والشهرة، ألا وهو “النصيحة في شرح صحيح البخاري”، وكتاب “الأموال”، وغيرها من الكتب الأخرى، ولم تذكر كتب التراجم السنة التي خرج فيها من طرابلس، ولا السنة التي دخل فيها تلمسان، كما أنهم لم يشيروا جميعا إلى دخوله القيروان أثناء رحلته هذه. إلا أن الذي يظهر لي أنه قد دخلها أثناء مروره بها في رحلته السالفة الذكر، وذلك اعتمادًا على العناصر التالية: 1- ما ذكره مخلوف عند ترجمته لأحمد بن نصر الهواري، حيث قال: “وفي المالكيين القرويين من يشبهه، وهو أحمد بن نصر الداودي”، فهذا تصريح واضح الدلالة في دخول الداودي إلى القيروان.2- ما ذكره عياض في ترجمته لأبي بكر عبد الله بن أبي زيد وأخيه عمر، من أن الداودي قد كتب عنهما ولم يكن بالطائل المعرفة، ولم يذكر عنهما أنهما انتقلا إلى طرابلس ولا إلى تلمسان، فدل هذا على التقائهما به في القيروان.لقد اختلف العلماء في سنة وفاته على أربعة أقوال: الأول توفي سنة 402هـ وهو رأي الجمهور من المترجمين، الثاني توفي سنة 442هـ وهو ما ذكره الشريف العلمي في نوازله، الثالث توفي سنة 440هـ وهو قول مخلوف عند ترجمته لأحمد بن نصر الداودي، الرابع أنه توفي سنة 307هـ وهو قول مخلوف أيضًا ولكن هذا التاريخ لم يذكره عند ترجمته للداودي، وإنما ذكره في سياق التفريق بين مترجمنا وبين أحمد بن نصر الهواري أبي جعفر القيرواني. وممن أخذ بهذا القول من المعاصرين الزركلي وذلك لاعتماده على الشجرة فقط دون غيرها، والقول الصحيح هو الأول الذي سار عليه جمهور المترجمين.لقد ترك الداودي وراءه تركة علمية كبيرة وقيّمة، نكتفي منها بذكر الأثرين اللذين حاز بهما شهرته وهما:1- “النامي في شرح موطأ الإمام مالك”، ويعتبر هذا الكتاب ثاني شرح للموطأ بعد شرح محمد بن سحنون القيرواني له. ولم تختلف كتب التراجم في اسمه إلا ما ذكره الخزاعي عند نقله لقول الداودي: وفي الإثبات قال: أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي (الرطل في قول الجميع نصف منا، والمنا مائتا درهم كيلا وستون درهما، ذكر ذلك في الاكتفاء في شرح الموطأ ولم يعلق المحقق لكتاب الخزاعي على هذه التسمية. ولستُ أدري هل هو شرح ثانٍ للموطأ لم تذكره كتب التراجم أو هو تحريف لكتابه (النامي) المعروف والمشهور اسمه، وأظن أن الفرضية الثانية هي الأقرب  للصواب. وقد ذكر عبد الرحمن الجيلالي أنه توجد نسخة منه بمكتبة القرويين بفاس تحت رقم:527، إلا أن الدكتور شواط يقول: “بوجود جزء منه فقط، ويحيلنا على فهارس مكتبة القرويين”. وهذا الكتاب ألفه وأملاه بطرابلس، أي في المرحلة الأولى من حياته.2- “النصيحة في شرح صحيح البخاري”، وهو كتاب جليل حاز به الفضل على غيره من جميع من تقدمه أو تأخر عنه من علماء الإسلام، وقد ذكر عبد الرحمن الجيلالي أن شرحه هذا هو أول شرح لصحيح البخاري، وتبعه في ذلك عادل نويهض، وهذا غير صحيح لأن أول شرح وضع على صحيح البخاري هو كتاب أعلام الحديث للخطابي (ت: 338هـ)، يأتي بعده شرح الداودي، إلا أنه يمكن القول بأنه أول شرح لصحيح البخاري ظهر في الغرب الإسلامي، إذ لم تنقل لنا المصادر المتوفرة أنهم قاموا بدراسة حوله غير الشرح المسمى “بالنصيحة” الذي صنفه مترجمنا، وقد اعتمد عليه ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري الموسوم بـ: “فتح الباري” ناقلا عنه في باب الرواية كما نقل عنه في باب الدراية. كما أن رواية الداودي لصحيح البخاري كانت من ضمن الروايات التي يرويها ابن حجر عن الصحيح، بل هي أعلى الروايات لديه من حيث العدد كما صرح هو بذلك، حيث قال: (وأما رواية الداودي، فهي أعلى الروايات لنا من حيث العدد). وفي الأخير، نشير إلى أن هذا الكتاب هو من بين الكتب التي ألفها بتلمسان، حيث ألف أكثر كتبه بها.* مدير تحرير مجلة “آفاق الثّقافة والتّراث”

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات