
إنّه الصحافي السويسري شارل هنري فافرو المولود في مونتور سنة 1927 بدأ فافرو مساره المهني صحفيا بجريدة "لا غازيت دو لوزان" التي كانت تصدر في لوزان باللغة الفرنسية كما عمل في الإذاعة والتلفزيون، ثم كان مراسلا من الهند الصينية أثناء الحرب.
تعرّف على القضية الجزائرية أثناء قيامه برحلة سياحية عبر بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط سنة 1952، فحين نزل بالقاهرة التقى شارل هنري فافرو بزعماء النضال المغاربي في القاهرة يتقدّمهم قائد مقاومة الريف عبد الكريم الخطابي ومن خلاله تعرّف على المناضلين الجزائريين المتواجدين في القاهرة حينها أحمد بن بلة، حسين آيت محمد، محمد خيضر.
لكن زادت معرفته للواقع الجزائري أثناء توقّفه في الجزائر حيث وقف فافرو على الحقيقة التي يرفض الفرنسيون نقلها للصحافة الدولية، وسمع عن مجازر شهر ماي 1945 حيث صرّح: تلك الأحداث لم أجد لها أثرا في صحف تلك الفترة".
بعد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو بالفيتنام والتي غطّى شارل هنري فافرو أحداثها كمراسل صحفي أقتنع هذا الأخير بضرورة الاهتمام بقضايا الاستعمار الفرنسي في إفريقيا، وفي مقدّمتها الجزائر، فراح يغتنم الفرصة للقاء مناضلين جزائريين وكان له ما أراد.
في صيف سنة 1954 أثناء تنظيم وتواجد مباريات كأس العالم في كرة القدم بمدينة برن السويسرية وتواجد مناضلين جزائريين بعيدا عن أنظار مصالح المخابرات الفرنسية.
وبعد اندلاع الثورة التحريرية سعى جاهدا للقاء قياديين في الثورة من خلال اتصاله بمسؤولين في فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا والذين أطلعوه على حقيقة القضية الجزائرية.
منذ منتصف سنة 1955 كثّف فافرو من اتصالاته مع مناضلين جزائريين في فرنسا ثمّ في سويسرا، خاصّة بعد انتقال المناضل الطيب بولحروف إلى سويسرا والإقامة في فندق الشرق تحت اسم مستعار "بابلو" وتنصيب مكتب اتصال للثورة الجزائرية هناك سنة 1956، تكرّرت لقاءات فافرو مع بولحروف حتّى أصبح الطيب بولحروف صديقا لعائلة فافرو علاقة ظلّت متواصلة إلى غاية انتقال بولحروف إلى مكتب روما، في حين تمكّن فافرو من تأليف كتابه الأول حول الثورة الجزائرية والذي وجد صعوبة كبيرة في طبعه وتوزيعه.
انخرط فافرو مباشرة في دعم الثورة الجزائرية انطلاقا من لوزان التي عرفت نشاط المناضلين السويسريين الذين انضموا إلى شبكة حاملي الحقائب، وقد لعب فافرو دورا كبيرا في إقناع العديد منهم، خاصّة الصحفيين والمثقفين.
نشاط فافرو تنوّع بين الدعاية للثورة الجزائرية والتنسيق مع قياداتها في أوربا ومساعدة المناضلين الجزائريين على عبور الحدود الفرنسية نحو سويسرا، ولعلّ من أهم أعماله ضمن الشبكة السويسرية عي العمل اللوجستيكي في طباعة وثائق الثورة الجزائرية وتوزيعها خاصّة بعض أعداد جريدة المجاهد وميثاق الصومام الذي طبع في مطبعة كورناز بمدينة إيفيردون السويسرية، رغم مراقبتها من طرف الشرطة.
بعد اكتشاف أن كورناز اشتري كمّيات من كبيرة من الورق ورغم محاولة تبريره بأنّ الورق موجّه لطباعة أطروحة إلاّ أنّه عوقب بدفع غرامة مالية.
فافرو نفسه لم ينج من المتابعات ورغم ذاك واصل لقاءاته مع قيادات الثورة الجزائرية في سويسرا وفي القاهرة ثمّ في تونس أين التقى فرحات عباس وكريم بلقاسم وأحمد بومنجل وسعد دحلب كما ربط علاقات مع أوعمران في القاهرة، ورافقه في رحلة مع قافلة لنقل الأسلحة برّا من القاهرة إلى تونس مرورا بليبيا.
نتيجة لتفانيه في العمل لصالح القضية الجزائرية كان له السّبق الصحفي في نشر صور قيادات الثورة الجزائرية من داخل مقر مكتب جبهة التحرير الوطني في القاهرة، صور أصبحت المادّة الرئيسية لمختلف وسائل الإعلام العالمية.
وزادت ثقة قيادة الثورة في شخص فافرو، حيث أوكلت له مهمّة نقل رسائل بين الطرفين الجزائري والفرنسي كان أشهرها نقل تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية ميشال دوبري للطرف الجزائري.
واصل شارل فافرو مهمته في مساندة الثورة الجزائرية رغم التّهديدات من طرف المخابرات الفرنسية التي لم تتوان عن اغتيال رئيس بلدية إيفيان وتهديد رئيس بلدية لوزان بالقتل لإيوائه الوفد الجزائري المفاوض بمدينته.
لعب دورا بارزا أثناء المفاوضات بين الوفد الجزائري والفرنسي وظلّ فافرو صديقا للثورة مدافعا عنها حتى تحقيق الاستقلال.
حظي بعدة تكريمات وأوسمة في سويسرا والجزائر التي زارها مرات عديدة
توفى هنري شارل فافرو شهر جانفي 2017 وبقيت مقولته الخالدة: "أنا مدين كثيرا للجزائر لأنّها هي التي منحتني الوعي السياسي".