جرائم الكراهية والاعتداء على المسلمين وكيفية مواجهتها

38serv

+ -

  قتلت الشرطة في فرنسا شابا رميا بالرصاص باسم القانون، وفي السويد يوم الأربعاء، تزامنا مع عيد الأضحى، أحرقوا نسخة من المصحف الشريف باسم الحرية، ويوم الخميس، تم منع المحجبات المسلمات من المشاركة في التظاهرات الرياضية في فرنسا بحجة المحافظة على علمانية الدولة؛ كل هذا حدث خلال يومين فقط من هذا الأسبوع.

هذه أمثلة فقط على المستوى المقلق الذي وصلت إليه الإسلاموفوبيا والضغائن والكراهية والتعصب وكراهية العرب والمسلمين في العالم المتحضر بزعمهم.. هذه الأعمال هي نتيجة لاستمرار انتشار الخطاب الشعبوي في أوروبا، القائم على الكراهية على أساس المعتقد أو العرق أو الدين.

إن سماح السلطات السويدية للإرهابيين المتطرفين بحرق المصحف وتمزيقه في عيد المسلمين؛ لهو دعوة صريحة للعداء والعنف وإشعال الفتن، وهو ما لا يليق بأي دولة متحضرة أو مسؤولة عن قراراتها. وإن القيام بإحراق المصحف الشريف من الأعمال الاستفزازية التي ترتكبها عناصر من اليمين المتطرف مرارا وتكرارا تستهدف المسلمين، وتهين قيمهم المقدسة، وتعدّ عدوانا صارخا لا يمكن أن يصدر إلا عن الجهل بالقيم الإنسانية المثلى التي يدعو إليها القرآن الكريم؛ وهو فعل من أفعال الكراهية الخطيرة، ومظهر من مظاهر الإسلاموفوبيا المحرّضة على العنف والإساءة للأديان.

والإصرار على حرق المصحف وتمزيقه وإلقاء صفحاته على الأرض، ليس من “حرية الرأي” في شيء، وإنما هو “جريمة” بحق ملياري مسلم على هذا الكوكب، واستفزاز لمشاعر الغيورين منهم على دينهم وكتابهم المقدس، وهم بالملايين، وتأجيج لنار الغضب في نفوسهم، ودفعهم دفعا للانتقام!

إن تكرار التعدّي على المقدّسات الإسلامية وعلى المسلمين وترهيبهم لابد أن يواجه بوقفة جادة، بعيدا عن بيانات الشجب والاستنكار، والتنديد التي لا تغني ولا تسمن من جوع.. وإن صمتنا عن إهانة مقدّساتنا الإسلامية مشاركة في الجرم وتطبيع للفعل، ولن ينفع مع هؤلاء المتطرفين إلا إجراءات ملموسة وتحرك عربي وإسلامي يضع حدّا لأفعالهم الدنيئة.

وليعلم الجميع أن العمد إلى حرق نسخة من المصحف الشريف أو تمزيقها لن يضرّ الله شيئا، ولن ينزع القدسية عن كلامه سبحانه، ولن ينال من الإسلام بأي حال.. وإن الله تعالى تكفل بحفظ كتابه العزيز، قال سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، والله قادر على إنزال غضبه وعقابه على كل من يحاربه، وسِيَر الأمم السابقة خير شاهد على ذلك. لذا، يجب علينا ألا ننحدر إلى أخلاق هؤلاء وننجرّ إلى ما يريدونه، ولا بد أن تكون ردود أفعالنا مدروسة ومتحكم فيها، فلا يجوز مقابلة هذه الأعمال بالفوضى وأعمال الشغب والنهب والحرق..

ولكن، ما تقوم به دول غربية بين الحين والآخر بالسماح لمواطنيها باستفزاز المسلمين تحت شعار الحرية، هو بالأصل فعل يُراد منه تأصيل خطاب الكراهية بين الشعوب. لذلك، يجب أن تكون ردة الفعل الإسلامية، سياسيا واقتصاديا، درس وعبرة لكل من تسوّل له نفسه الإقدام على مثل هذه الأفعال مستقبلا..

على وزراء الخارجية في الدول الإسلامية استنكار ما يتعرض له المسلمون في العالم من اضطهاد، وما يتعرض له القرآن الكريم أو مقدّسات المسلمين من امتهان، كفعل السويد، بقصد استفزاز مشاعر العالم الإسلامي واحتقاره، واستنكار منظمة التعاون ووزراء خارجيتها واتخاذ موقف جماعي يحفظ للأمة هيبتها وعزّتها، فالتهاون يزيد من الهوان.

وعلى البرلمانات، والمؤسسات الدعوية، والأحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية والطلابية، وكل مكوّنات المجتمع المدني في الدول الإسلامية كافة، أن تعبّر عن غضبها واستيائها بأشدّ صور الغضب تجاه حكومة السويد، والحكومة الفرنسية.

إن الحكومات والشعوب الإسلامية مطالبة، اليوم، بالدفاع عن دينها وكرامتها وحقوقها، وعدم الاكتفاء بردّات الفعل. وأقترح الدعوة لعقد مؤتمر إسلامي طارئ لاتخاذ موقف إسلامي موحد تجاه هذه التجاوزات والإساءات المتكررة ضد الإسلام والمسلمين، وآخرها حرق المصحف الشريف، وعلى الحكومات العربية والإسلامية أن تتخذ خطوات عملية تتناسب مع هذا الأمر، من خلال إجراءات دبلوماسية وسياسية واقتصادية سريعة.

ومن الأهمية، بمكان، تواجد دور رسمي بارز من قبل الدول والحكومات العربية والإسلامية، إذ من الواجب على تلك الدول القيام بمسؤولياتها في الرد على تلك الاعتداءات من النواحي القانونية، والتواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية، ومنظمات المجتمع المدني في الغرب، والعمل على الدفع بمشروعات قوانين للبرلمانات الأوروبية والغربية تجرّم ازدراء الأديان، وارتكاب جرائم الكراهية، وتعاقب منفذي الأفعال والتصريحات العدائية، بما يمنح إستراتيجية المواجهة ثقلا إقليميا ودوليا يفرض القضية على الأجندة الدولية والمحافل العالمية.

ويحتاج المسلمون في هذه المجابهة إلى عمل مؤسسي منظم، تقوم به مؤسسات ومراكز دراسات حتى يكون له الأثر المرجو في مستويات متعدّدة، إن المبادئ الإسلامية هي في جوهرها مبادئ عالمية قائمة على الفطرة السليمة، وتؤكدها العقول المستقيمة. ونشدّد على ضرورة التصدّي لهذه الأفعال وعدم السماح بها، وتضافر الجهود لنشر وتعزيز ثقافة السلم وقبول الآخر، وزيادة الوعي بقيم الاحترام المشترك، وإثراء قيم الوئام والتسامح، ونبذ التطرف والتعصب والتحريض على الكراهية، باعتبارها مسؤولية جماعية يجب على الجميع الالتزام بها. وندعو إلى تحقيق الحوار الجاد والسلم العالمي للوصول إلى تحقيق الخير والسلام للجميع، وصناعة بيئة الحوار والتفاهم والتعارف بين البشرية جمعاء.. وبذلك، يعيش الجميع في أمن وأمان وسلم وسلام.