يشكل الدعاء لفلسطين أهمية كبيرة لدى المسلمين، من أجل التضامن معهم ونصرتهم، بعدما أغلق الاحتلال الإسرائيلي منافذ الوصول إلى قطاع غزة لإيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين ويرتكب ضدّهم حرب إبادة لا هوادة فيها، ما يعدّ الدعاء لأهل فلسطين، اليوم، الوسيلة الضعيفة لنصرتهم ومدّ يد العون لهم.
لا شك أن الواجب على المسلم المسارعة إلى نصرة ونجدة أخيه المسلم إذا ما تعرض لظلم أو عدوان، وهذه النصرة تكون بكل ما من شأنه ردّ وصدّ هذا العدوان؛ فهي أساسا تكون نجدة مادية بكل ما يملكه المسلم من نفس ونفيس. لكن الذي لا يقدّر على العون المادي لا يسعه إلا الدعاء، لذا يحرص المسلمون في شتى بقاع الأرض على الدعاء لفلسطين وللشهداء والمجاهدين والمدنيين في غزة ومختلف الأراضي الفلسطينية، من أجل نصرتهم والتضامن معهم.
والدعاء من العبادة، قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بنجاة المظلومين ودعا على ظالمهم، كما في الصحيحين من حديث أَبِي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: “اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مُضَر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف”. قال بدر الدين العيني: وفيه الدعاء على الظالم بالهلاك والدعاء للمؤمنين بالنجاة.
وإننا، أولا، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرّج كربة إخواننا في غزة، ثم إننا نحث إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على الدعاء لهم، فإن هذا من حقهم علينا، قال الشيخ ابن عثيمين عن نصرة المستضعفين: “إننا -أيها الإخوة- ملزمون بأن نعين إخواننا، ولو بالدعاء.. بدعاء الله تعالى في آخر الليل، في السجود، في الفرائض والنوافل، في كل وقت ترجى فيه الإجابة، والله سبحانه وتعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد تتأخر الإجابة ليزداد اضطرار العباد إلى الله عز وجل، فنسأل الله تعالى في هذا المكان الطيّب أن ينصر إخواننا المسلمين”.
ولقد نام الصحابة رضي الله عنهم ليلة بدر، إلا هو عليه الصلاة والسلام، فقد بات تلك الليلة يصلي إلى جذع شجرة، ويكثر في سجوده أن يقول: “يا حي يا قيّوم”، يكرّر ذلك صلى الله عليه وسلم ويسأل الله النصر، وحين رأى رسول الله جند قريش قال: “اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة”.
وإذا نظرنا في أدعية نبينا صلى الله عليه وسلم لإخوانه، فإننا نجد في دعائه في بدر لما التقى الصفان: “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام”. ولما رأى عدد أصحابه ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا، والكفار ثلاثة أضعافهم، فلما رأى قلة العدد والعدة عند المؤمنين، وكثرة ذلك عند الكافرين، قال داعيا لإخوانه وأصحابه: “اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم، ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا”. وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لأصحابه إذا خرجوا في غزوة أو سرية، فيقول: “اللهم سلمهم وغنمهم”؛ فكانوا يسلمون ويغنمون.
لقد جرى السلف على هذا المنوال في الدعاء لإخوانهم، قال الله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} يعني: من بعد المهاجرين والأنصار.
وكان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله إذا اشتد الأمر يقول: “إلهي، قد انقطعت أسبابي الأرضية من نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل”، ويشتد في البكاء والدعاء فيستجيب الله، ويجعل أمر الصليبيين في اضطراب، ويعودون إلى بلادهم بشر مآب.
إن شأن الدعاء عظيم، قال الإمام ابن القيم: “والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدافعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرقعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع الدعاء ثلاثة مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أخف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد ولكن يخففه، وإن كان ضعيفا. والثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه”.
وإذا كان الكفار يتعرّفون على ربهم وقت الحروب والمعارك، ويطلب منهم رؤساؤهم بالدعاء لأجل أن ينصروا على المسلمين، ألا يليق بنا أن يكون ذلك منا أشد، دورنا أن نقوم بنصرة دين الله ما استطعنا، وبما نقدر، وبكامل وسعنا الذي فطرنا الله عليه، ولنكن مع ذلك داعين لديننا بأن ينصره الله، وكفى به هاديا ونصيرا.