فضل وأهمية بناء المساجد وعمارتها في الإسلام

38serv

+ -

يقول الله تعالى: {إنما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}، إن من أجلّ الأعمال وأعظمها منزلة عند الله تعالى عمارة المساجد بيوت الله.

والعمارة تشمل أمرين: عمارة حسية ومعنوية. الأول العمارة المادية الحسية، والتي تكون بتوقيف الأرض وبالبناء والترميم والتنظيف، وتجهيزها بما يريح الروّاد إليها؛ حيث يؤدون العبادات في جو هادئ ومناسب، وإيجاد المسجد فرض كفاية لأهل المحلة أو البلدة المتقاربة المساكن؛ لأنه لو لم يبن مسجد لضاعت الصلوات. لقد حث الإسلام على بناء المساجد وإنشائها، ورتب على ذلك الأجر الكبير من رب العالمين. عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة”، وعن ابن عباس أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قال: “من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة”، ومفحص القطاة: هو عش الطائر، والمقصود المبالغة في الصغر، فكيف بمن بنى مسجدا أكبر وأعظم، من حيث التهيئة الكاملة والمرافق التي يحتاجها المسجد، من بناء حمامات، ومدارس لتحفيظ القرآن الكريم. والثاني العمارة الإيمانية المعنوية، والمقصود بذلك الهدف الذي بني له المسجد، وهذه العمارة أعظم؛ وفي هذه العمارة الإيمانية التعبدية يقول الله تعالى: {في بيوت أذن اللَّه أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}. وفي العمارة الإيمانية يقول الرسول صلّى الله عليه وسلم: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”.

والعمارة المعنوية تكون بالحرص على مداومة الصلاة فيه وعدم هجره، إلى جانب إعطاء المسجد دوره الحقيقي في الإسلام من حيث إنه منارة للمسلمين في كل شؤون حياتهم. وقد اعتبر الإسلام عمارة المساجد من علامات التقوى والإيمان بالله، قال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله}. كما عدّ الإسلام تخريب المساجد بمنعها عن أداء دورها ورسالتها، نوعا من أنواع الظلم بل من أشدّ أنواع الظلم جرما عند الله، قال تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.

إن المسجد له دور عظيم في حياة المسلمين، فهو الأساس الأول في تكوين شخصية المسلم وتكوين خُلقه وعبادته وعلاقته بربه وبنفسه وإخوانه المؤمنين، فالمسجد يُعدّ مركز تربية، وقد قال صلّى الله عليه وسلم: “أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها”. ومن المسجد تصعد الأعمال الصالحة، وفيه تنزل الرحمة، وتتهذب الأخلاق، وتصفو النفوس، ويحصل ترابط المؤمنين، وتقوى أخوتهم، ولهذا، لما هاجر النبي صلّى الله عليه وسلم، أول ما بدأ به أن بدأ بعمارة المسجد. فلم يستقر به المقام صلّى الله عليه وسلم عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بُني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس كما قال ابن كثير رحمه الله. وكذلك عندما واصل صلّى الله عليه وسلم سيره إلى قلب المدينة، كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده صلّى الله عليه وسلم.

إن عمارة المساجد من أبرز أعمال البر، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله”، وذكر منهم: “رجلا قلبه معلق في المسجد”.

وعمارة المسجد بالتردّد عليه يعتبر كالمرآة الصافية التي تعكس أحوال الناس ومدى رغبتهم في الخير، وبذلك يتضح المؤمن من المنافق، فقد روى الترمذي وحسنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان”. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض”.

ومن الآثار الاجتماعية للمؤمنين بسبب المساجد حصول التكافل بينهم، فالمسجد هو وسيلة التعارف بينهم، ومع مرور الأيام يألف بعضهم بعضا وتتكون بينهم المحبة في الله، فيزور بعضهم بعضا ويتعارفون فيما بينهم على أمور دينهم ودنياهم، ومنه تنطلق الأعمال الخيرية.

وهي أحبّ الأماكن إلى الله تعالى وإلى رسوله وإلى المؤمنين الصالحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها”، بل إن المسجد هو بيت كل مؤمن وتقي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: “المسجد بيت كل تقي”.

ولقد وعى صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكانة المساجد في الإسلام فاهتموا بها، واعتنى الخلفاء الراشدون بها، فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ولاته أن يبنوا مسجدا جامعا في مقر الإمارة، ويأمروا القبائل والقرى ببناء مساجد جماعة في أماكنهم. عن عثمان بن عطاء قال: لما فتح عمر بن الخطاب البلد، كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجدا، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة.

المساجد أماكن مقدّسة لها خصوصيتها ولها حرمتها، فهي بيوت للذكر والصلاة، قال تعالى: {في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال}. لذا، يجب تنزيه المسجد عن كل ما من شأنه أن يشينه أو ينتهك حرمته، فيمنع البيع والشراء في المسجد، وكذا نشدان الضالة.

المساجد بيوت الله تعالى في أرضه جعلها خالصة له وحده، لذا يجب أن تنزّه المساجد عن الصراعات والمشاحنات والمنافسات، فهي بيوت الله تعالى وليس لأحد سلطان عليها. فقال سبحانه: {وأن المساجد للَّه فلا تدعوا مع اللَّه أحدا. وأنه لما قام عبد اللَّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا}.

علينا أن نعود بالمسجد إلى دوره ومكانته، فهو البوتقة التي تنصهر فيها قلوب المؤمنين وأرواحهم، وتتلاشى وتنمحي المسافات والأبعاد بينهم، فتتحقق معاني المواساة والعدالة والأخوة والتآلف، ويتدربون على النظام واحترام الوقت والتواضع واللين، وهذا ما كان يفعله النبي صلّى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام رضوان الله عليهم، حينما كان يصفهم للصلاة ويقول لهم: “أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسدّوا الخلل ولينوا في أيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله اللَّه تبارك وتعالى ومن قطع صفا قطعه اللَّه”.