من عِبرة الأقدار وحجتها على المسلمين المعاصرين أَن كان مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وكتائبها المظفرة (كتائب الشهيد عز الدين القسام) المجاهد الشهيد الإمام الشيخ أحمد ياسين مقعدا رحمه الله في العلماء العاملين والشهداء المجاهدين، إذ معلوم أن الشيخ أصيب بالشلل شابا، حتى وصل إلى حالة الشلل شبه الكلي بعد حادث وقع له ثم تعرضه للسجن والتعذيب والتنكيل مرات متعددة، ومع ذلك أحيا شعبه، وبث فيه روح الدين الحق، وغرس فيه نفسية الجهاد والمقاومة، وربى أجيالا من الشباب المؤمن، وأسس به حركة المقاومة الإسلامية حماس وكتائب الشهيد عز الدين القسام، وهو مقعد على كرسي متحرك!، فهل أبقى لغيره من عذر؟!.
إن أغلب المسلمين الآن يقعدون عن العمل والتضحية والمقاومة والإصلاح، وهم في عمومهم يشتركون في وصفين اثنين: العجز والبحث عن الأعذار، بل عن أدنى عذر لتسويغ (= تبرير) قعودهم عن المكرمات وتقاعسهم عن القيام بالواجبات، في حين أن الإمام الشهيد المقعد أحمد ياسين، كان في عجز ظاهر وصاحب عذر قاهر، ولم يستسلم لظروفه ولم يركن للبحث عن الأعذار، وعلّم وعمل وجاهد وناضل وقاوم حتى صار شيخ المجاهدين وقدوة المقاومين، وكابوسا للصهاينة والأمريكان الذين لم يجدوا من بد لتحريك طائراتهم النفاثة لاغتيال شيخ مقعد لا حراك له، نهشت جسده المهيض أمراض شتى زيادة على شلله وإقعاده، فهل يجد مسلم عذر بعد ما قام به وحققه الشهيد المقعد عليه شآبيب الرحمة؟!.
إن حياة الشيخ الشهيد وإنجازه لا تكفي مجلدات للتعريف به وتوضيحه للناس ولك لا بأس بإضاءة صغيرة عن حياته، فقد ولد الشيخ في قرية جورة عسقلان عام 1936م في أسرة فقيرة صغيرة، وعاش طفولة فقيرة وصعبة في يتم بعد وفاة والده في الخامسة من عمره، شهد في طفولته حرب الــ48 بين الجيوش العربية وعصابات الصهاينة، وما تلا ذلك من النكبة التي ألمت بشعبه وبلده سنة 1948م، ومن هذه السنة بدأت مسارات حياته الأساسية ترسم، حيث أعجب إعجابا شديدا وتأثر تأثرا كبيرا بجهاد متطوعي الإخوان المسلمين وبطولتهم المنقطعة النظير، هؤلاء الذين كان أغلبهم من الفلاحين والموظفين وطلبة الجامعات مسلحين تسليحا خفيفا، ولكن كانوا أنكى على الصهاينة من الجيوش العربية النظامية التي كانت تنهزم في كل مرة وتنسحب، وكثيرا ما حماها ودافع عنها هؤلاء المتطوعون، إلى أن صار بعد سنين قائد إخوان فلسطين وشيخهم.
في طفولته القاسية يُتما وفقرا أصيب الشيخ الشهيد بالشلل بعد انكسار إحدى فقرات عنقه إثر سقوطه وهو يمارس الرياضة عام 1952م في سن الـ16 من عمره. وكلما تقدم به السن ازداد وضعه الجسدي سوءا وازداد عزما وتصميما وبذلا!. وهكذا (إذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام).
من المهم جدا أن نذكر أن أول اعتقال تعرض له الشيخ كان على يد المخابرات المصرية عام 1956م، حيث كانت غزة آنذاك خاضعة للإدارة المصرية، فاعتقلوا الشيخ مع من اعتقل من الإخوان في ذلك العام، كما أن من المهم الذي يجب أن يعرف: أن الشيخ عند انطلاقه في تأسيس الدعوة ووضع بذرة حركة حماس كان المجتمع الغزي رافضا للتيار الإسلامي معاديا للتوجه الإسلامي عموما والإخوان المسلمين خصوصا، كما يصور الشيخ الشهيد هذا الرفض في قوله: “كان كل من يحمل أي كتاب إسلامي يعد مجرما في نظر المجتمع كالبعير الأجرب”.
قال رحمه الله: “لقد دخلت السجن عزيزا، وخرجت منه عزيزا، وسأحيا عزيزا، وأموت شهيدا إن شاء الله”، وذلك الذي كان، فلا نامت أعين الجبناء!.
* إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة