+ -

مع الأسف، ومن قبل أن يبدأ موسم الاصطياف لهذا العام (2024)، بدأت حوادث غرق الأطفال تحصد عددا لا بأس به من الأرواح البريئة، والتي تترك من ورائها أسى وحرقة في قلوب الأقرباء والأمهات بالخصوص.

تكثر حوادث الغرق خلال فترة الصيف، بسبب الجهل بالسباحة، وعدم اتباع تعليمات السلامة أثناء السباحة عند ارتياد الشواطئ، وإهمال المشرفين والأهل لأطفالهم والانشغال عنهم، وزيادة الثقة بالنفس وعدم المبالاة بالسباحة لمسافات طويلة، بحيث لا يتمكن الشخص من العودة إلى الشاطئ بسبب التعب والإجهاد.

يلاحظ ويلمس الجميع مدى استهتار الجزائريين في موضوع الوقاية والمحافظة على النفس،وما حدث في منتزه الصابلات، بحر الأسبوع الماضي، من غرق خمسة أطفال خير دليل على ذلك، ما يدعونا إلى ضرورة التنبيه والنصح للجميع من أجل أخذ المزيد من الحذر والحيطة لدى تنقل أطفال المدارس إلى المنتزهات والشواطئ، فلا يجوز بحال أن تترك الأمور دون الأخذ بمبادئ السلامة والوقاية المعمول بها، خاصة أن ديننا الإسلامي ينهانا عن الإهمال في أمور حياتنا كلها، ويدعونا دائما إلى العمل بقواعد الحيطة والحذر،فالتحرز من الضرر والأخذ بأسباب الوقاية مطلوب شرعا.

وحوادث الغرق المتكررة بشكل يومي على شواطئنا يجب الانتباه لها من العوائل والمصطافين، ولا يجوز المخاطرة بالنفس في سبيل الاصطياف، يقول تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، ويقول سبحانه: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”، وهذه القاعدة الإسلامية توضح أن الإسلام لا يُقرّ أي سلوك فيه ضرر يصيب حياة الإنسان، لأن الإسلام هو دين الخير والنفع، يدعو إلى صحة الأبدان وإلى الأمان، ويحذر من كل سلوك يترتب عليه ضرر بالنفس أو إضرار بالآخرين.

ومن ذلك مثلا حفظ الأولاد، وخصوصا قُبيل غروب الشمس، وهو وقت يُهمله كثير من الناس،فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا استجنح الليل، أو قال: جنح الليل؛ فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه شيئا”.فانظروا كم يُهمل كثير من الناس هذه الساعة من النهار، والتي يكثر فيها لعب الصبيان، ثم يتساءل بعض الناس عن سبب الأذى الذي لحق هذا الطفل أو ذاك! إنه مخالفة الهدي النبوي.

هذا نموذج من أمثلة كثيرة حرص فيها الشرع على توقي أسباب الهلكة وأسباب الضرر، وهي في الواقع أصول بل هي سابقة لما يُعرف اليوم بأنظمة الدفاع المدني وإجراءاته الوقائية، إنها ليست مجرد أحاديث نقرأها.إن الأخبار لا تكاد تنفك عن نقل ما يدمي القلب، وما يحزن النفس من ضحايا لإهمال أمثال هذه التوجيهات النبوية، وإهمال التوجيهات الصادرة من الجهات المعنية بالوقاية والسلامة، والحفاظ على هذه الأشياء التي ليست ترفا! بل هي من صميم الدين.

فضمانا للحياة السليمة الآمنة، جاء ديننا الحنيف بمنهج وقائي مثالي تتحقق معه سعادة الفرد والجماعة، كما يتحصل معه استقرار في العيش، يجعل المؤمن شبه متفرغ ومؤهل لأداء ما كلفه الله عز وجل به.وقد جاء مفهوم الوقاية في الإسلام جامعا مانعا، بحديثه عن وقايةالإنسان ووقاية أرضه وبيئته، بل وقايته من الأمور الغائبة عن مجرد الحواس البشرية عامة، والتي غُيبت في اعتبارات الناس واهتماماتهم إلى أبعد حدود.

كما يجب التذكير بدور مؤسسات الدولة، وبخاصة الوزارات المعنية (الداخلية، الحماية المدنية، الصحة، البيئة، الصناعة والسياحة..) في المراقبة والحماية، ومنع ظهور هذه الحوادث المختلفة، وبخاصة غرق الأطفال أو انتشارها، وأن مسؤوليتها عظيمة في هذا، فعلى عاتقها تقع مهمة التأكيد على الالتزام بضوابط السلامة أولا في كل مناحي الحياة، والالتزام بقواعد الأمان، وحث المجتمع على العيش وفق القواعد الصحية في جميع جوانب الحياة ليعيش الفرد سالما معافى..

ونطالب أفراد المجتمع بضرورة الالتزام بالتعليمات واللوحات الإرشادية وعدم التهاون فيها، وعدم النزول للسباحة في الأماكن غير المخصصة لذلك، ما قد يعرض حياتهم للخطر، سواء بالإصابة جراء وجود صخور، أو الغرق في الأماكن التي تكون فيها التيارات البحرية قوية، وقد تجرف الأشخاص لداخل البحر لمسافات بعيدة.

أما عن الإرشادات لحماية الأطفال من الغرق، فتشمل: الإشراف المستمر من قبل الآباء على الأطفال، ومراقبة الأطفال بصفة مستمرة أثناء وجودهم بالقرب من مصادر المياه، حتى في حالة إجادتهم للسباحة أو ارتدائهم سترات النجاة، حيث يحدث الغرق في صمت وخلال ثوان معدودة، مع منع الوصول غير المتعمد إلى مصادر الماء من خلال وضع حاجز سلامة، والتأكد من عمل هذا الحاجز بصورة صحيحة، حيث ينمو الطفل باستمرار وتزداد مهاراته، وكذلك تعليم الأطفال كيفية السباحة، وأيضا ارتداء سترة نجاة أو العوامات، وتعلم كيفية إجراء الإنعاش القلبي الرئوي (التنفس الاصطناعي).