38serv

+ -

من هو البروفيسور حدّاب؟ يشغل البروفيسور مصطفى حدّاب حاليا، منصب مكلف بقسم “التربية، الثقافة، والاتصال” بالمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة. وهو أستاذ محاضر بجامعة الجزائر، تلقى تكوينا فلسفيا، ودرس لفترة وجيزة بقسم الفلسفة، ثم انتقل للبحث في علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع. وأشرف على عدة بحوث “سوسيو أنثروبولوجية”. وتخصص خلال الثلاثين سنة الأخيرة في موضوع “المنظومة التربوية”، وهو صاحب عدة دراسات في هذا المجال. كما قدم عدة دراسات حول ابن خلدون، جان عمروش، فرانز فانون والمهدي بوعبدلي. نشر البروفيسور حدّاب عدة دراسات في مجلة “إنسانيات” الصادرة عن مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية - وهران، منها دراسة “مكانة البكالوريا في الحراك الاجتماعي”.رفض الأستاذ مصطفى حدّاب في حديثه عن نوعية التدريس والتكوين بمختلف المؤسسات التربوية، وصف المنظومة التربوية في الجزائر بـ”الفاشلة”، موضحا في “منتدى الخبر” أنه ليس بإمكاننا الحديث عن منظومة فاشلة، فنسبة التمدرس التي فاقت الـ95 في المائة، هي إحدى إيجابيات التعليم عندنا. كما يعد تواجد نسبة كبيرة من الإناث على مستوى مختلف جامعاتنا ومعاهدنا، أمرا إيجابيا، لكنه انتقد ابتعاد المنظومة التربوية عن فكرة الانتقاء، وقال إن العدالة الاجتماعية لا يجب أن تنقل إلى المدرسة التي تعتبر بمثابة حقل الانتقاء والمنافسة بامتياز. كما قدم بعض التفسيرات لمجموعة من التساؤلات المطروحة حول المنظومة، منها: لماذا تم ترجيح كفة التخصصات الأدبية على العلمية المطلوبة بكثرة في سوق العمل؟ يقول البروفيسور مصطفى حدّاب الذي نزل، أمس، ضيفا على “منتدى الخبر” لمناقشة موضوع “مشاكل المنظومة التربوية.. نوعية التعليم والإدماج الاجتماعي لخريجي النظام التربوي”، إنه رغم سعي القائمين على التعليم العالي خلال فترة السبعينات إلى تغيير الاتجاه الذي كان سائدا خلال الفترة الاستعمارية، أين كان التعليم التكنولوجي والعلمي متوقفا على أبناء المستعمر، في حين كان الجزائريون الذين تمكنوا آنذاك من بلوغ فترة التعليم العالي، وهم قلة، يوجهون إلى التخصصات الأدبية، فقد أعطيت الأولوية لتوجيه الطلبة إلى مختلف التخصصات العلمية، وكان الهدف من وراء عولمة وتكنولوجية التكوين تغيير الوضعية التي كانت سائدة من قبل والنهوض بالاقتصاد الوطني، فتم الاستثمار في تكوين الأطباء والمهندسين، ودام ذلك عديد السنوات. لكن ما لاحظناه خلال السنوات الأخيرة، هو العودة إلى ما كان سائدا خلال الحقبة الاستعمارية، إذ باتت التخصصات العلمية مثل الهندسة والرياضيات والكيمياء، أو ما يطلق عليه بالتخصصات الأساسية، مهمشة، مع العودة بقوة إلى مختلف التخصصات الأدبية. والتساؤل الذي يطرح نفسه في المجال: لماذا هذا التقهقر والرجوع إلى الخلف؟ تساؤل أكد ضيف “منتدى الخبر” أن وراءه كثير من المعطيات تتصدرها تفسيرات سوسيولوجية، تكمن في انعدام التقييم العلمي على مستوى الثانويات والجامعات الجزائرية، مضيفا أن هناك قوى اجتماعية فرضت هذا التغيير وكرّست فكرة تشجيع التخصصات الأدبية على حساب التخصصات العلمية.معطيات تفسر تدهور التعليم بالجزائرأوضح الأستاذ حدّاب حول قضية تدهور نوعية التعليم في الجزائر عبر مختلف مراحله، أن هناك معطيات تفسّر الظاهرة، يتصدرها المحيط المدرسي، أو ما أطلق عليه “جماليات المدرسة”، وهي مهملة تماما، فضلا عن عدم توفر الوسائل التي تضمن ذلك التعليم، وعدم تقييم النشاطات الثقافية التي تعتبر جزءا من العملية التكوينية. كل تلك المعطيات، يضاف إليها تردي نوعية الكتب المدرسية، فقد سعينا لخلق كتب تاريخية بإمكانيات محدودة.. كل ذلك جعل من المنظمة التربوية في الجزائر “منظومة مهلهلة”، والنتيجة أنه “بعد 30 سنة من التفكير، وقفنا على أن الأهم لنجاح منظومة تربوية، لا يكمن في الوصول بسرعة، بل أن نأخذ كل الوقت لضمان إنجاحها”، يقول ضيف “منتدى الخبر”.وللعنصر البشري دور أساسي في فشل المنظومة التربوية، حسب مصطفى حدّاب، فمعلّم الابتدائي الذي يتخرج من الجامعة ويوجه لتسيير قسم دراسي يحوي 50 تلميذا، يجد نفسه مجبرا على الإبداع لاحتواء التلاميذ، إذ يطلب منه أن ينسى ما تعلّمه خلال مساره الجامعي ويعتمد على أمور تتماشى مع المهمة التي أسندت إليه فقط، رغم أنه لم يتم تهيئته لذلك إطلاقا، وهذا كله جهل بأهمية العلوم البيداغوجية التي يجب أن نسعى إليها لضمان نجاح جزء معتبر من المنظومة العلمية، لا أن نسعى لتطبيق سياسة “النهج بواسطة الكفاءة”، والتي نقدم من خلالها للمعلم تجارب تعليم أثبتت جدارتها في دول متقدمة، ونطالبه بتطبيقها عندنا على أساس أنها مثالية، دون أن نتأكد من فعاليتها عندنا لاختلاف المجتمعات.  اعتبر التراكم الثقافي عاملا مهما لتحقيق النجاعةالحلول المقترحة للمنظومة التربوية يجب أن ترتبط بالمحيط العام أوضح البروفيسور مصطفى حدّاب، أن المنظومة التربوية ستظل عاجزة عن التوصّل إلى إيجاد حلول للمشاكل التي تتخبط فيها حاليا، دون التفكير في التراكم الثقافي داخل المجتمع، وفي مسألة المحيط الثقافي وطبيعته وميكانيزماته، موضحا أن المنظومة التربوية يجب أن تنمو في وسط ثقافي يقوم على التراكم، وعلى وجود نخبة مثقفة وعلمية قادرة على إحداث النقلة النوعية المرجوّة.قال مصطفى حدّاب، إن التصورات التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في المنظومة التربوية، يجب أن تعتمد على التراكم الثقافي داخل المجتمع برمته، معتبرا أن حال الأسرة الجزائرية اليوم لا يقدم هذا التراكم الثقافي، الأمر الذي يحرم المدرسة من اكتساب القدرة على النمو والتطور وسط محيط سليم. وأضاف الأستاذ حدّاب خلال تناوله موضوع “مشاكل المنظومة التربوية.. نوعية التعليم والإدماج الاجتماعي لخريجي النظام التربوي”، أن التراكم الثقافي داخل الأسرة يلعب دورا فعالا في مساعدة المنظومة التربوية، وتمكينها من توفير تعليم أكثر نجاعة، علما بأنه يجب على المدرسة أن تنفتح على محيطها سوسيو - الثقافي، وأن تستوعب جيدا تلك العلاقة الجدلية بين المنظومة التربوية ومحيطها الاقتصادي، وأن تعتمد بشكل صارم على مفهوم الجودة بشكل لا يقبل النقاش، وتسير في إكساب المتعلمين الكفاءات الضرورية وفق المتطلبات والحاجات التي يفرضها سوق العمل، في ظل عالم تسوده المنافسة القائمة على معيار الجودة، لأن المستهلك أصبح يخطب ود هذه الجودة من الأفراد والمؤسسات، موضحا أنه على المنظومة التربوية أن تبدي اهتماما بالرأسمال البشر.. وهنا يلعب الوسط الثقافي، حسب الأستاذ حدّاب، هذا الدور الذي تحدث عنه آنفا، ضمن ما يسمى بالتواصل الايجابي مع المجتمع. ويعتقد الأستاذ حدّاب أن هذا الواقع غير متوفر في المجتمع الجزائري حاليا، وتساءل: “كم هو عدد الآباء الذين يتناقشون مع أبنائهم حول قضايا ثقافية، تعطي الطفل تصورا للحياة يقوم على الاستهلاك الثقافي؟”، وأضاف حدّاب أن إبعاد المدرسة عن المجتمع والمحيط الثقافي لا يوفر فرص تحويل المنظومة التربوية نحو النجاعة.وبخصوص علاقة الجامعة بالفضاء الاقتصادي، اعتبر ضيف “الخبر” أن بقاء عدد هائل من الطلبة في الجامعة وتفكيرهم في التدريس، يعني وجود خلل في العلاقة بين الجامعة وسوق العمل، موضحا أن الجامعات الأمريكية مثلا، لا تعرف هذه الظاهرة، من منطلق أن الطلبة الأمريكيين يتوجهون بسهولة نحو سوق العمل، ولا يفكرون كثيرا في مهنة التدريس الجامعي.وبخصوص جملة الإصلاحات التي مست المنظومة التربوية خلال السنوات الأخيرة، أوضح الأستاذ حدّاب أنها “قضية معقّدة وغير بسيطة، مرتبطة بقضايا اجتماعية يجب تناولها بصفة شاملة”، موضحا أنه يفضل الحلول التي تعتمد على التأني بغية تجنب التسرع، وقال: “يجب أن نفكر في المجتمع برمته، وليس فقط في المنظومة التربوية”، وختم الأستاذ حدّاب قائلا: “أعتقد أن التكوين الجماهيري الواسع أضر بالمنظومة التربوية”.قال إنها تكفلت بوظيفة العدالة الاجتماعيةاقتراح قيام المنظومة التربوية على الانتقاء قال الأستاذ مصطفى حدّاب، إن ابتعاد المنظومة التربوية في الجزائر عن فكرة الانتقاء أضر بها كثيرا، ووضعها في مصاف منظومة تحاول تحقيق العدالة الاجتماعية، وتسمح للجميع بالنجاح، موضحا أن العدالة الاجتماعية لا يجب أن تنقل للمدرسة التي تعتبر بمثابة حقل الانتقاء والمنافسة بامتياز.يعتقد الأستاذ حدّاب، خلال مشاركته في “فوروم” مركز “الخبر للدراسات الدولية”، الذي يشرف عليه الأستاذ أحمد بجاوي، أن المنظومة التربوية أسندت لها مهمة ليست لها، تمثلت في “تحقيق العدالة الاجتماعية”، عبر توفير فرصة النجاح لجميع المتمدرسين في كل الأطوار، دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة النجاعة، التي تؤدي إلى ضمان النخبة المفكرة في المجتمع، موضحا أن هذه الظاهرة أضرت بالأسس التي قامت عليها، وقضت على فكرة المنافسة والانتقاء اللتان تضمنان الصرامة العلمية والنجاح، وتخلق جوا علميا يوفر فرص الإبداع والابتكار، ويضمن مكانة لائقة للجامعة في علاقتها بمختلف المنظومات التي تستفيد منها، بدء بالمنظومة الاقتصادية.وبحسب الأستاذ حدّاب، فإن المنظمة التربوية مطالبة اليوم بتوفير وضعية طبيعية تقوم على المنافسة، وتدفع المتمدرسين إلى العمل بشكل جيد، بدل الاعتماد على الاتكالية، وعلى عقلية “النجاح المضمون دون القيام بأي مجهود فكري أثناء الدراسة”.وبخصوص المعاهد العليا التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة، والتي أوكلت لها مهمة إيجاد “نخب علمية جديدة” عبر الاعتماد على معايير المنافسة والصرامة، كشف الأستاذ حدّاب أنها لم تحقق مهامها، وتحوّلت بدورها إلى معاهد تنتج السلوكيات القديمة نفسها، وقال: “مازلنا نفكر في مسألة العدالة الاجتماعية، فابتعدنا مرة أخرى عن الصرامة العلمية التي تضمن إخراج الجامعة الجزائرية من حالة الركود التي أصبحت تعرفها”.وأوضح حدّاب أن عدم وجود “نخبة علمية” تفكر في قضايا المنظومة التربوية بشكل عقلاني، جعل الحلول المقترحة تتسم بانعدام النجاعة والفعالية، واعتبر أن نظام “أل.أم.دي” لم يحقق النتائج المرجوة منه بسبب غياب هذه النخبة الفعالة، التي تملك القدرة على التفكير في إيجاد الحلول التي تضمن حالة طبيعية.وبخصوص تراجع التكوين في مجال العلوم الدقيقة والرياضيات في الجامعة الجزائرية، والاعتماد أكثر على العلوم الإنسانية، أوضح ضيف “فوروم الخبر”، أن هذا الخيار بإمكانه أن يضر كثيرا بالمنظومة الاقتصادية، ويؤدي إلى تدني المستوى الاقتصادي. وفي هذا السياق، اعتبر متدخلون حضروا الندوة، أن التقسيم الدولي للعمل هو الذي فرض على الجزائر خيار الابتعاد عن التكوين في العلوم الدقيقة والرياضيات، علما بأن ظاهرة العولمة جعلت من مجتمعات الجنوب في صورة مجتمعات استهلاكية غير منتجة.للعلم، أصدر البروفيسور مصطفى حدّاب عن منشورات “آرق”، كتابا بعنوان “أبعاد الحقل التربوي الجزائري”، جمع فيه مجموعة من المقالات حول الجامعة الجزائرية وعلاقتها بسوق العمل، وقضايا أخرى متعلقة بتحوّلات سوق العمل في الجزائر، وتطور مكانة النخب، ومسألة التعريب، وغيرها من القضايا. رغم الجهود المبذولة والإمكانيات المستثمرةالتعليم في الجزائر يواجه إشكالية النوعية من ضمن ما طرحه بعض طلبة الإعلام الذين حضروا المنتدى، مشكل انعدام نوعية التعليم. وعن هذا الأمر، أوضح حدّاب “إننا فعلا أمام إشكالية نوعية التعليم والنتائج المترتبة عنه، ومنها ماذا ينتظر خريجي الجامعات الجزائرية مستقبلا؟ فرغم سعي الدولة مثلا إلى خلق مدارس تحضيرية لضمان نوعية التعليم العالي، يبقى التساوي في التقييم مطروحا... ورغم أن كثيرا من الجهود بذلت في توفير الكم واستثمار ميزانيات ضخمة لذلك، يبقى النوع دون المستوى، كون القائمين على التعليم عندنا لم يتبنوا إجراءات صارمة لضمان تحسين تدريجي للمنظومة التربوية، وما نعانيه ممثل في التكوين الجماهيري، يقول حدّاب، فليس هناك صرامة في الانتقاء.. كما أن الشهادات باتت تؤخذ دون بذل الجهود، فالطالب يحضر الدروس الموجهة فقط ويكتفي بأخذ محاضراته من زملائه وينتظر النجاح. فإن لم يحصّله، يلجأ للإضراب، وهذا هو ما يجري بجامعاتنا للأسف”، يوضح المتحدث ذاته، مشيرا إلى أن هناك تواطؤا بين القائمين على التعليم العالي في بلادنا، والطلبة الذين بات همهم تحصيل الدبلوم فقط، ما يجعل الشهادات المقدمة دون قيمة “فباتت القيمة الاجتماعية للشهادة في تدهور مستمر”.نظام الـ”أل أم دي” بالجزائرطريق مختزل للوصول إلى النجاح طرح طلبة الإعلام مسألة نظام الـ«أل أم دي”، الذي عوّض النظام التقليدي الذي كان معتمدا عليه بالتعليم العالي، وهو، حسبهم، ما تسبب في تخرّج دفعات كثيرة دون مستوى تعليمي مشرّف. النظام الذي قال عنه مصطفى حدّاب إنه لا يعدو أن يكون طريقا مختصرا، أرادت من خلاله الدولة أن توفر مصاريف دراسة أعداد كبيرة من الطلبة، باختزال فترة الدراسة والسماح للطلبة بدخول مجال العمل مبكرا. لكن في المقابل لم يتلق هؤلاء الطلبة تعليما نوعيا، لأنه لم يكن لمؤطريهم القدرة على إعطاء تكوين نوعي، ليختم ضيف “منتدى الخبر” مداخلته قائلا إنه “عوض البحث عن حل للإشكالية وتخصيص جماعة علمية تقترح الحلول وتتبناها، سقط مسؤولونا في مشكل ارتجال الحلول، ما انجر عنه الوضع الحالي للتكوين والتعليم العالي عندنا”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: