+ -

من إكرام اللّه جلّ جلاله أن منَّ علينا بأن بلَّغنا هذا الشّهر العظيم، وهذا الموسم الكريم، الّذي فيه يقول اللّه عزّ وجلّ فيما يرويه عنه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث القدسي: “كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّيام فإنّه لي وأنا أُجزي به، والصّيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرفث ولا يَصخب، فإنْ سابه أحد أو قاتله فليقُل: إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخَلوف فم الصّائم أطْيَب عند اللّه من ريح المِسك، للصّائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه”، ومن هنا فإنّنا نتقلّب بين منح اللّه سبحانه وتعالى ونعمه الّتي لا تعدّ ولا تحصى.شهر رمضان شهر مبارك، مصداق ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض اللّه عزّ وجلّ عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السّماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلّ فيه مَرَدة الشّياطين، للّه فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم”.فرمضان بركاته كثيرة، ومن بركاته أن اختصّ اللّه جلّ جلاله وأعلى منزلته بين الشّهور بأن فرض اللّه صيامه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه}، بل إنّ صيام شهر رمضان هو الرّكن الرّابع من أركان الإسلام، وبشّر صلّى اللّه عليه وسلّم بمغفرة ذنوب مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا: “مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، ومِن بركات هذا الشّهر أنّه شهر تفتح فيه أبواب الجنّة وتغلق فيه أبواب النّار: “إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنّة وغُلقت أبواب النّار، وصُفّدت الشّياطين”، ومن بركاته كذلك أنّه شهر تُصفَّد فيه مَرَدة الشّياطين.ومن أجلِّ بركات هذا الشّهر العظيم أنّه أنزل فيه القرآن على نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، وثمّة علاقة وطيدة ورباط متين بين القرآن وشهر الصّيام، تلك العلاقة الّتي يشعر بها كلّ مسلم في قرارة نفسه مع أوّل يوم من أيّام هذا الشّهر الكريم، فيقبل على كتاب ربّه يقرأه بشغف بالغ، فيتدبّر آياته ويتأمّل قصصه وأخباره وأحكامه، وتمتلئ المساجد بالمصلّين والتالين، ولقد كان جبريل عليه السّلام يأتي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيُدارسُه القرآن كلّ ليلة في رمضان، وكان يعارضه القرآن في كلّ عام مرّة، وفي العام الّذي توفي فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عارضه جبريل القرآن مرّتين.ومن بركات هذا الشّهر أنّه شهر الكرم والجود والعطاء والتّراحم، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فقد كان صلّى اللّه عليه وسلّم كريمًا معطاء، يجود بالمال والعطاء بفعله وقوله، يعطي صلّى اللّه عليه وسلّم عطاء مَن لا يَخشى الفقر، قال الحقّ سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} حتّى إنّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمَّق هذا المفهوم في نفوس أصحابه رضوان اللّه عليهم عمليًا، سألهم مرّة عن أحبّ المالين إلى الإنسان، هل هو المال الّذي بيده أو مال وارثه، ثمّ وضّح لهم أنّه ليس للإنسان إلاّ ما أنفق وقدّم لآخرته، وعمَّقه أيضًا بقوله في أحاديث كثيرة منها: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللّهمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقول الآخر: اللّهمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”، ومن أنواع الجود تفطير الصّائمين، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: “مَن فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصّائم شيء”. واللّه وليّ التّوفيق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات