اسلاميات

ظاهرة سبّ الدِّين.. خطورتها وكيفية معالجتها

إن سبّ الدّين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات

  • 126
  • 3:36 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

يلاحظ كل متتبع لأحوال مجتمعاتنا أنه مع كل خصومة تنشب بين أفراده أو مجموعاته تتعالى الأصوات وتتبادل اللكمات، ومع تسارع الإيقاع يبدأ سيل السبّ والشتم الذي لا تقوى الأذن على سماعه في التدفق رُويدا رويدا، فيُسبّ الآباء والأمهات والأجداد، والدّين والمِلة والمعتقدات، وتصل ذروة ذلك كله إلى سبّ الذات الإلهية أمام المارة، أو حتى داخل المنزل وفي أحضان الأسرة.

ظاهرة خطيرة وعادة قبيحة تنتشر مع كلّ أسف في مجتمعاتنا العربية ونسمعها من شبابنا وأبنائنا، ظاهرة تقشعر منها الأبدان وتنخرق من سماعها الآذان وترتجف منها القلوب وتتفطر لها السموات وتنشق الأرض وتخر الجبال هَدًّا، إنها ظاهرة سبّ الربّ والدّين والعياذ بالله. وقد زادت واستفحلت وتساهل معها الناس، فصارت حاضرة في أسواقهم ومتاجرهم وملاعبهم، وحتى في أسرهم.

هل نصدق أنه يوجد في أمتنا ومجتمعنا من يسبّ الذّات الإلهية، يسبّ الله الذي خلقه وخلق الأكوان، ويسبّ الدّين العظيم الذي أنقذنا من الظلمات والضلالات إلى الإيمان! ما الذي يبقى للإنسان من العمل إذا سبّ ربه الذي هو مفتقر إليه وبحاجة ماسة لرحمته وفضله؟
إنه الجهل بدين الله تعالى، والأمية الدينية التي تطغى على كثير من الناس هي من يجعل الفرد يتجرأ على الله ودينه، مما يستوجب تضافر الجهود بين كل الفاعلين في المجتمع، وبخاصة أئمة المساجد والعلماء/ لعلاج هذا المرض الذي يَشترك فيه الكبير والصغير، الذكر والأنثى، المتعلم والأمي. ثم الخلل التربوي داخل الأسر التي تستهين بهذا السباب، بل تربي وتنشئ على عدم الاحترام، سواء احترام الله أو الدين أو الرسول عليه الصلاة والسلام، أو الناس كافة، أو البيئة التي نعيش فيها.

إن سبّ الدّين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات، وهكذا سبّ الربّ عز وجل، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام ومن أسباب الردة عن الإسلام، والعياذ بالله. وإن هذا الفعل جرم خطير جدا، يقول إسحاق بن راهويه: ”أجمع المسلمون على أن من سبّ الله ورسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مُقِرًّا بكل ما أنزل الله”، ويقول القاضي عياض: ”لا خلاف إن سابّ الله تعالى من المسلمين كافر..”، ويقول ابن قُدامة المقدسي رحمه الله: ”ومنْ سبَّ اللهَ تعالى كفر، سواء كان مازحا أو جادا”.

واستدلوا بقول الله تعالى عن المنافقين الذين كانوا يسبّون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}، وجاء رجل منهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنما كنا نتحدث حديث الركب لنقطع به عنا الطريق، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول له: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}. أما إذا قالها عند غضب شديد بحيث لا يملك نفسه ولا يدري ما يقول، فإنه لا يُكفّر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول.

لقد كانت البشرية قبل مجيء الإسلام تعيش في ظلام دامس وضلال مبيّن فأنقذهم الله بهذا الدين، فكيف يأتي اليوم من أبنائنا وبناتنا وشبابنا من يَسُبّ الدين بل ويتطاول على ربّ العالمين جلّ جلاله وعزّ كماله. علينا جميعا أن نتكاتف على محاربة هذه الظاهرة السيئة في مجتمعنا، على المعلمين والمعلمات والآباء والأمهات وعلى العلماء والخطباء وعلى كلّ مسلم غيور على ربه ودينه أن يقف سدّا منيعا لمنع هذه الظاهرة الكفرية عن الظهور والانتشار، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، يقول الله سبحانه وتعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}. ومن أتى ذلك فعليه باستغفار ربه والتوبة العاجلة، ولا يحتجن الواحد بكونه سبّ الله وهو غضبان، وللعلماء آراء في المسألة لمن رام معرفة ذلك.

ومَن خرجت منه هذه الكلمات القبيحة أو تفوَّه بهذا الكفر الصريح، فعليه بالرّجوع إلى الإسلام بنطق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن يتوجه إلى الله تائبا مُنيبا نادما على ما اقترف، معترفا بعظيم ما أجرم وقبيح ما أذنب، متحسرا على ما فاته، عازما على أن لا يعود إليها في المستقبل. يقول الله سبحانه وتعالى: {قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين}.

والمخلِّص الوحيد هو برجوع العبد إلى الله تعالى، ومفارقتِه لصراط المغضوب عليهم والضالين، والله تعالى يَقبل توبة العبد من جميع الذنوب: الشركِ فما دونه، لقوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.

فالواجب على المسلمين تقوى الله تعالى وإجلاله وتعظيمه وتعظيم دينه ونبيّه، والعمل بسنته ونصيحة من زلّ لسانه بأمر يخالف الشرع وتحذيرهم من هذه المصيبة؛ فإن أعظم مصيبة هي مصيبة الدّين؛ لأن مَن سبّ الخالق سبحانه وتعالى أو استهزأ بهذا الدين ولقي الله بغير توبةٍ يخشى عليه، والعياذ بالله من عذاب الجبار.