العالم

مفارقة إعلامية في التعاطي مع المظاهرات في المغرب

بسبب انتقائية ممنهجة أملتها مواقف سياسية وإيديولوجية، للدول التي تنتسب إليها القنوات.

  • 9149
  • 2:09 دقيقة
رغم خطورة ما يحدث في المغرب، أغلب القنوات الخليجية "شاهد ماشافش حاجة"، الصورة: ح.م.
رغم خطورة ما يحدث في المغرب، أغلب القنوات الخليجية "شاهد ماشافش حاجة"، الصورة: ح.م.

بينما تعاملت وسائل الإعلام المغربية مع انتفاضة الشارع والاهتزازات التي أحدثتها، بأسلوب منحاز للحكومة ومبرئ للقصر ومشوّه ومسطّح للحقائق، تعزف القنوات العربية والناطقة بالعربية، جزئيا، عن تناول الأحداث.

 متابعة ومعالجة الأحداث الجارية في المغرب في القنوات العربية وخصوصا الخليجية، خضعت كليا إلى نظرية "ترتيب الأولويات" أو "الأجندة سيتينغ"، بوصفها واحدة من أكثر نظريات الاتصال استعمالا، فقد تم تأخير ما يجري في الجارة الغربية في ذيل الاهتمامات، وأحيانا إهماله من قائمة الأخبار بالكامل، على الرغم من أهميته بعد أخبار الإبادة في غزة وأسطول الصمود العالمي.

 هذه النظرية تفترض أن وسائل الإعلام تؤثر على اهتمامات الجمهور وتحدد أولوياته، من خلال التركيز على قضايا معينة وإهمال أخرى، بمعنى أنها لا تخبر الناس بما يفكرون فيه، بل تخبرهم بما يجب أن يفكروا فيه، حيث تصبح القضايا التي تبرزها وسائل الإعلام هي الأكثر أهمية في نظر الجمهور.

 لكن اللافت أن القنوات العربية والناطقة بالعربية، بالغت وتطرفت في توظيف النظرية، على نحو جعلها تظهر منفصلة عن الواقع، فتجاهلت كليا ما يجري في المغرب، قياسا بتعاطيها سابقا في أحداث مشابهة في دول أخرى، رغم تسجيل انزلاقات خطيرة وسقوط قتلى إثر قمع السلطات للمظاهرات في المملكة.

 وإذا تناولت قناة من القنوات الحدث، كالقناة الفرنسية، "فرانس 24" مثلا، فإن طبيعة التغطية من حيث العنوان والحيادية والتوقيت المخصص والضيوف والمفردات المستعملة، يبدو مفخخا ومدججا برغبة في إضفاء قراءة جديدة أو ثانية لواقع واحد، سعيا للتقليل من شأنه أو لخدمة توجه أو جهة معينة.

وهو أسلوب أو مقاربة تبرز بجلاء في تغطية الشأن الجزائري قياسا بالمغربي، حيث تتمايز المواضيع بشكل مثير للدهشة والسخرية أحيانا، على الرغم من الأداء الاحترافي للزملاء الصحفيين والمنشطين.

 ويلاحظ خلالها المشاهد، دون عناء، تركيز وتواتر الأخبار السلبية على الجزائر، في حين تخصص المواضيع الإيجابية أو السلبية السطحية للشأن المغربي، وفي القنوات العربية، الخليجية خاصة.

 الظاهرة لا تحتاج إلى ملاحظة أصلا، وإنما واضحة تماما، إذ لا تجد الأخبار الآتية من المغرب مكانا لها بالمطلق، بينما يخصص حيز كبير للأحداث والجانب القاتم والعدمي لدول العراق وسوريا وليبيا واليمن، على واقعيته.

 اعتماد تلك القنوات على هذه النظرية في إدارة خطها التحريري وتحديد طريقة ومستوى تعاطيها مع الحدث المغربي، لم ينطلق من خيار مهني، لتغيير أو تعديل أو تثبيت اهتمامات الجمهور، وإنما من انتقائية ممنهجة أملتها مواقف سياسية وإيديولوجية، للدول التي تنتسب إليها القنوات.

 ويرى مراقبون أن السياسات التحريرية تعكس موقف الدول الخليجية من الأحداث وتضامنها مع "القصر" المغربي، الذي يبدو أنه قاب قوسين أو أدنى من عاصفة الشارع. لكن ما لا يريد أن يقتنع به القائمون على ضبط "أجندة " القنوات الإخبارية، أو الجهة التي تفرضها عليهم، أن قدرة الإعلام التقليدي على التأثير تراجعت أمام تغوّل آليات الإخبار في الفضاء الرقمي، الذي، هو الآخر، ليس في منأى عن التوجيه والتزييف عبر استعمالات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات التي تحركه.