الجزائريون "يضحون" بمليوني شجرة في العيد

+ -

يتفنن الجزائريون في تحويل أعيادهم وأفراحهم إلى مجازر وحملات تخريب شاملة. ففي الصيف الماضي، من لم يمت في موكب عرس أو في حادث مرور، مات بطلقات بارود. وقبله في رمضان مات أناس في طابور محل للزلابية أو بسبب كيس حليب تنافس عليه زبونان ليفوز به أحدهما بإراقة دم الآخر. وقبل عيد الأضحى الأخير، ضحى أب بابنه في الشارع لأنه كثير الترددعلى الحمام. لكن المجزرة الكبرى التي حدثت قبل الاحتفال بهذا العيد هي تلك التي تعرضت لها الغابات، التي تحوّل ما يقارب أو يفوق مليوني شجرة منها إلى فحم، ليس بسبب النيران، ولكن لتزيين سماوات المدن بالدخان المتصاعد من “الشوايات”. تتحول المدن الجزائرية في الأسبوع الذي يسبق عيد الأضحى، إلى مزارع وقصابات، يعرض فيها التجار القانونيون، الأدوات والأواني التي تستعمل في الذبح والسلخ والتنظيف، من سكاكين، خناجر وسواطير. ويخرج آخرون خيوطا كهربائية، يصلونها إلى آلات صغيرة تبرد الحديد. ويضعون مظلة للاحتماء من أشعة الشمس ويباشرون نشاطا يدوم أسبوعا يسنون فيه الخناجر والسواطير القديمة في مشهد يثير الاشمئزاز. ويرافقهم في هذه المهمة تجار الأرصفة الذين يحولون المدن إلى مزارع فوضوية يعرضون التبن و”القرط” وما يرافقها من مواد كلها تساهم في زيادة تلوث الأحياء التي يقيمون فيها.والملاحظ هو المساهمة الكبيرة لجمهورية الصين الشعبية في إحياء الأعياد الجزائرية، من خلال ما تصدّره إلينا من خناجر وسواطير، وكذلك “مجامر” و«شوايات” وقضبان الشواء وكل مستلزمات العيد، في الوقت الذي تقول فيه الحكومة إنها شددت الإجراءات حماية للودائع المالية في الخزينة العمومية.تحطيم ممنهج للثروة الغابيةلكن المشهد المثير الذي دعم “المريٍّفين” للمدن الجزائرية هو تلك الأكياس البيضاء التي تعاظم عرضها في السنوات الأخيرة قبل وفي الأعياد، والتي تحتوي الفحم الذي تستخدمه العائلات الجزائرية في الشواء، وهو فحم مصدره الغابات التي من المفروض أنها محمية.لم تكن تلك الأكياس البيضاء، تغزو المدن بهذا الحجم قبل خمس إلى سبع سنوات. ولا أحد كان يشاهدها في المرحلة التي كان فيها دخول الغابة ممنوعا على الجزائريين، عندما كانت خارج سيطرة الدولة. ولكن بعد استتباب الأمن “بفضل مصالحة عبد العزيز بوتفليقة” صارت الغابة الجزائرية ملكا مباحا، يدخل من يشاء، يحطّم ما قدر عليه من أشجار ويحوّلها إلى فحم يسترزق منه.ومعلوم أن نقابة حراس الغابات، كانت قد تحدثت في كل احتجاجاتها عن عجزها عن مواجهة ما تسميه في بياناتها الرسمية “مافيا الغابات”، لأن ضباط وأعوان حراسة الغابات لا يملكون الوسائل المادية لمجابهة ناهبي الثروة الغابية من حيوانات برية وخاصة محطمي الأشجار. والدليل على ذلك هو العدد الضئيل جدا للمقبوض عليهم ممن يمارسون هذا النوع من الاعتداءات التي تتعرض لها الغابات في الجزائر. وتبيّن التقاليد الجديدة للإطعام في الجزائر، أن الأضرار التي تتعرض لها الغابات الجزائرية في عيد الأضحى لا تتوقف، من خلال حجم الفحم المستعمل في مطاعم محلات الشواء التي تنتشر في كل المدن وتتعاظم في أيام العيد. وتبيّن عملية حسابية تقريبية أن ما لا يقل عن مليونين اثنين من الأشجار تقتلع قبل حلول العيد، حيث أنه إذا افترضنا أن أرقام وزارة الفلاحة صحيحة، وأن أربعة ملايين ونصف المليون من الأغنام تم نحرها هذا العيد، وإذا كانت كل عائلة استعملت على الأقل كيلوغرامين اثنين من الفحم. فإن ذلك يعطينا رقما رهيبا، وهو تسعة ملايين كيلوغرام من الفحم، أي 90 ألف قنطار. وهو يمكن استخراجه من أكثر من مليوني شجر من الأشجار الغابية التي تتشكل في غالبيتها من أشجار الصنوبر البحري والحلبي في بلادنا، حيث يختار ممارسو هذه المهنة الممنوعة الأشجار صغيرة الحجم، كما يبيّنه نوع الفحم المعروض للبيع لسهولة قطع الشجرة ونقلها، ثم إحراقها وردمها لاستخراج الفحم المستعمل للشواء.“مافيا الغابات” ليست وهماويقدّر حجم الأعمال الذي يتم تداوله في تجارة الفحم في أيام عيد الأضحى بأكثر من 100 مليار سنتيم، إذا قدّرنا سعر بيع الكيلوغرام الواحد بـ70 دينارا، وهو السعر المتوسط في المدن الجزائرية، حسب كثافة سكانها، وأن العائلة الواحدة التي ذبحت أضحية استهلكت بين 3 و 5 كيلوغرامات من الفحم. وينخفض إلى 50 دينار للكيلوغرام في المدن القريبة من المناطق التي ينتج فيها فحم الشواء. هذه الأرقام تبيّن أنه عندما يقول حراس الغابات، إنهم يواجهون “مافيا”، فإنهم محقون، لأنهم أدرى من غيرهم أن الحطب الذي يتم تحويله إلى فحم شواء، ليس مصدره الحطب المتبقي في الغابات المحترقة في الصيف أو الحطب المسترجع من عمليات تقليم أشجار تزيين الشوارع في المدن. كما يقول كثير من حراس الغابات إن “الحرائق التي يتم تسجيلها في الصيف “إجرامية”، الهدف منها تشكيل مخزون من الحطب المحترق لتحويله إلى فحم، لكن التحقيقات الأمنية والقضائية لا تصل إلى الفاعلين”.ولقد تحولت تجارة الفحم إلى نشاط دائم في الجزائر، حيث تعرضه المحلات التجارية في المدن مع بقية المواد الغذائية في أكياس من ورق يتراوح وزنها بين الكيلوغرامين والثلاثة، في حين يموّن تجار متنقلون المحلات التجارية بالكميات الكبيرة التي يجلبونها من مصدر إنتاجها، ولا تكون مواقع الإنتاج سرية، لأنها تحتاج إلى مساحات كبيرة لتكديس جذوع الأشجار وحرقها ثم ردمها. وبالتالي، فإنه ليس نشاطا سريا. وقال ضابط في سلك حراس الغابات لـ”الخبر” في هذا الموضوع “لا نملك صلاحية التنقل إلى المواقع التي يتم فيها إنتاج الفحم”. ويضيف متحفظا عن ذكر اسمه وموقع عمله، “لكن نعرف أن ممارسي هذا النشاط يستظهرون عند المراقبة عقود التعامل مع محافظات الغابات لاسترجاع الحطب المسترجع من حرائق الغابات وتقليم أشجار تزيين المدن واسترجاع الأشجار الميتة”.هكذا تتحول فرحة عيد الأضحى عند الجزائريين إلى مجزرة موسمية في حق الغابات التي لم يعد حراسها قادرون على حمايتها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات