الامتحانات الدراسية.. توجيهات ودروس وعبر

38serv

+ -

يستعد، هذه الأيّام، أبناؤنا وبناتنا الطلبة والطالبات لاجتياز امتحاناتهم الدّراسيّة، في مرحلة من أهمّ مراحلهم التعليمية التربوية، مرحلة يستشعر الجميع أهمّيتها، آباء وأمهات، وأسرًا وعائلات، ومدرّسين ومؤسسات، تتبّعًا لسيرها وتطلّعًا إلى نتائجها ما بين خوف ورجاء.هذا، وإنّ نجاح أيّ أمّة من الأمم إنّما يكمن في نجاح تعليمها، وتفوّق أبنائها في مختلف ميادينه ومجالاته، لذلكم جاء الأمر الأوّل في القرآن الكريم بالحثّ على القراءة والتعلّم. حيث قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.وإذا أدركنا أهمّية التعلّم والتّحصيل، وربّينا أبناءنا على ذلك وعلّمناهم، فإنّنا نقدّم للأمّة عملًا جليلًا يسهم في نهضتها من جهة، وهو من جهة أخرى قُربَة وعبادة لمَن احتسبه عند الله سبحانه وتعالى.والنّجاح الحقيقي لا يقاس بالمعدّلات المرتفعة المجرّدة، إنّما يقاس بمدى انعكاسها على سلوك الأبناء وأخلاقهم وتربيتهم، ووعيهم وسعيهم في خدمة دينهم ووطنهم، وانشغالهم بمعالي الأمور لا بسفاسفها.إنّ من الواجب على كلّ والدٍ أن يغرس في نفس ولده حبّ التّفوّق، ليصبح لبِنةَ بناءٍ في مجد الأمّة، ومصدر إنتاجٍ في المجتمع المسلم، ومشعلًا تستضيء به الأمّة في هذا العالم الّذي ليس فيه مكان للضعفاء والفاشلين.وإنّنا اليوم بحاجةٍ إلى نوعٍ من الانسجام بين همومنا الشّخصية من التّحصيل الدّراسي والتّعلم والوظيفة وغيرها وبين هموم أمّتنا، لنكون بما نحصّله في دراستنا لبِنات صالحة ضمن الإطار العامّ لنهضة الأمّة في شتّى المجالات من العلم الشّرعيّ والطّبّ والهندسة والصّناعة وغيرها من فروض الكفايات.أيّها الآباء والأمّهات والمربّون والمربّيات الأكارم.. رفقًا بالأبناء والبنات، ها هي أيّامهم قد أقبلت وهمومهم قد عظمت، فخذوهم بالعطف والحنان، واشملوهم بالمودّة والإحسان، أعينوهم على هموم الامتحان، خفّفوا عنهم التّبعات، يسّروا عليهم يسّر الله أموركم. علّموهم وأرشدوهم واشحذوا هممهم، ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.يا أيّها الطلبة والطالبات خذوا بأسباب النّجاح والتّوفيق، استذكروا واجتهدوا، فإنّ تعبتم اليوم فالرّاحة بعد أيّام، عندما يحزن المفرطون لتفريطهم، ويفرح النّاجحون بنجاحهم.وإذا درستُم واجتهدتُم وأخذتُم بالأسباب النّافعة، فاعلموا أنّ أعظم أسباب النّجاح وأجمعها هو التّعلّق بالله، بأن تعلموا علم اليقين أنّه لا حول ولا قوّة للعبد إلّا بالله ربّ العالمين، ثمّ التّوكّل على الله وتفويض الأمور كلّها له سبحانه، فإنّ أذكى النّاس لا غنى له عن ربّه. مع الأخذ بالأسباب، ولا تغترّوا بالذّكاء والحفظ، بل فوّضوا قبل ذلك أموركم لله، والتجئوا إليه، فالذّكاء وحده ليس سببًا للنّجاح والتّفوّق، بل إرادة الله وتوفيقُه أوّلًا. ولقد أوصى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة أن تقول: “يَا حَيّ يَا قَيُّوم، بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن”.فاستعن بالله أيّها الطالب، ولا تعجز، وإيّاك والغشّ المحرّم، فإنّه لا خير فيه ولا بركة. الغشّ في الامتحان خُلق قبيح، وتزوير ممقوت، بل هو جريمة في حقّ المجتمع، لأنّنا نخرج طلابًا زورًا وبهتانًا، نخرج أطباء مزوّرين ومهندسين مزوّرين بل ومعلّمين مزوَّرين فيوسد الأمر إلى غير أهله، وينتشر الضّعف في الأمّة، فقد صحّ عند مسلم عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه قال: “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا”، ويقول ابن عبّاس رضي الله عنهما: “مَن خادع الله يخدعه الله”.إيّاكم وعدم احترام الأساتذة وإداري المدرسة وكتب العلم وخاصة الّتي فيها كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنّا نسمع عن بعض الطلاب هداهم الله أنّهم بعد الامتحان يمتهنون هذه الكتب والمذكّرات الدّراسية برميها في أيّ مكان، وهذا من المنكر ولا شكّ. فالواجب حفظُها في مكتبة المنزل؛ أو تسليمُها للمدرسة؛ أو إعطاؤها لمَن يستفيد منها؛ أو وضعُها في الأماكن المخصّصة للورقيات المحترمة.وإنّ المُوفَّق من العباد مَن يتذكّر بمواقف الدّنيا مواقف الآخرة العظام، الموفّق مَن يتذكّر بامتحانات الدّنيا يوم السّؤال والحساب، وما أعدّ الله فيه من الثّواب والعقاب: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾.وقد ثبت من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ”.هذا، ونسأل الله جلّ وعلَا بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَا أن يكتُب لأبنائنا وبناتنا وللمسلمين أجمعين النّجاح في الدّنيا والآخرة والفوز برضاه وأن يجنّبنا سخطه إنّه سميع الدُّعاء وهو أهل الرّجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات