جاء في الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله”.
لنتخيل أيها الكرام أن رجلا أبغضه أهله وعشيرته فطردوه، فلا ريب أننا نتساءل ماذا فعل؟ وماذا اقترف؟. ولكن، للأسف، بعض المسلمين يتصرفون بعض الأعمال التي توجب الطرد، إنما ليس عن العشيرة ولا عن العمل، ولا عن الأصدقاء والأحباب، إنما هو طرد عن رحمة الله الكريم عياذا بالله.
وقد جاء ذكر هذه الأصناف في الوحي لأقوام بسبب تصرفات قاموا بها أوجبت لهم ذلك البعد والطرد والإقصاء. ونحن حينما نستعرض هذه الأصناف ليس لترف عقلي، أو لحشو العقل بالمعلومات، إنما لنتعظ ونتذكر.
واللعن والطرد من الرحمة لا يكون إلا لله وحده فهو سبحانه: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، وإن مما يؤسف له أن اللعن قد أصبح عادة عند فئات من الناس مع أنه كبيرة من الكبائر، يقول أنس رضي الله عنه: “لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلم سبّابا ولا فحاشا ولا لعانا”. وكثرة اللعن سبب لدخول النار: ”يا معشر النساء تصدقن، ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة: وما لنا أكثر أهل النار؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير”.
وأول صنف من الملعونين في الوحي إبليس، فهو زعيمهم وكبيرهم، ولعن لرفضه وتحديه لأمر ربه بالسجود لآدم: {وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين}. الصنف الثاني من الملعونين في القرآن وهم أكثر الناس لعنا اليهود، قتلة الأنبياء وآكلي الربا: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت}. فاليهود لعنوا لكفرهم: {وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم}، ولعنوا لكتمانهم الحق: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}، ولعنوا لتطاولهم على الذات الإلهية: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا}، ولعنوا لعصيانهم أنبيائهم فحلت عليهم لعنتهم: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}. والصنف الثالث من الملعونين الكذابون، ولنتأمل آية المباهلة مع اليهود: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}، فالمؤمن قد يبخل وقد يجبن، لكنه لا يكذب: “تحروا الصدق، وإن رأيتم أن الهلكة فيه، فإن فيه النجاة”. والصنف الرابع من الملعونين في القرآن الظالمين: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}. ومن أعظم الظلم سفك الدماء، والخوض في الأعراض: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار}. والصنف الخامس من الملعونين في القرآن أهل النفاق ممن يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان: {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} والصنف السادس أهل الكفر من الأمم السابقة: {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود}.
ومن الملعونين في القرآن سابعا قاتل النفس المحرمة بغير الحق: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}، “من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله”. ومن الملعونين في القرآن ثامنا، وأخيرا، شجرة الزقوم: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا}. والله ولي التوفيق.
*إمام مسجد عمر بن الخطّاب،
بن غازي - براقي