
هم عبارة عن شبكات منظمة من أشخاص غرباء خارج الحرم الجامعي وطلبة هدفهم ترويج المخدرات بالجامعة، يأتون بمختلف أنواع المهلوسات ويقومون بتوزيعها في الجامعة عن طريق تقديمها بالمجان للطلبة (الإناث والذكور) في بداية الأمر، وبعد إدمانهم عليها فإنهم يضطرون إلى شرائها، وبالتالي الدخول لهذا العالم من أوسع أبوابه من خلال ترويجها وتوسيع هذه الشبكات" يقول مهدي (22 سنة) طالب علم النفس بجامعة في أعالي العاصمة.
" المخدرات داخل الحرم الجامعي" هي ظاهرة لطالما مرت على مسامعنا، إلا أنه خلال الآونة الأخيرة تفاقمت هذه الآفة بشكل واسع، وباتت تستدعي القلق خاصة وأنها تمس بالفئة المثقفة ولم تعد مقتصرة فقط على الفئة المهمشة.
وللوقوف أكثر على هذا الموضوع ومعرفة خباياه، انتقلنا إلى جامعة بأعالي العاصمة كانت محل شكاوى كثيرة وصلتنا في الأيام الأخيرة. وصلنا إلى المكان كانت الساعة تشير إلى 13 سا زوالا، وتزامن وجودنا مع فترة الاستراحة التي شهدت حركة كبيرة، استفسرنا من بعض الطلاب عن إمكانية دخولنا للجامعة بدون بطاقة طالب، ليؤكد لنا هؤلاء أنه لا يوجد مراقبة من الأساس ويمكن لأي شخص كان الدخول.
ومثلما كان متوقعا، ولجنا المكان بكل سهولة ومن دون أي عقبات، انتظرنا بعض الوقت لمقابلة أحد الطلاب لمرافقتنا في رحلتنا، واطلاعنا عن الوجه الآخر الذي تخفيه الجامعة الجزائرية.
استقبلنا "م. مهدي" الذي كان رفقة زملائه الثلاثة، وأخدنا في جولة داخل الجامعة وتحديدا إلى قسم اللغات، صدمنا بما شاهدناه.. العشرات من الشابات والشبان يقومون باستعمال السجائر الملفوفة من المخدرات أمام الملأ.. وقفنا بعض الوقت أمامهم وتأملنا المشهد الصادم، ثم انطلقنا في تبادل أطراف الحديث من أجل عدم شد الانتباه إلينا.
ولم تمر سوى 20 دقيقة على تواجدنا بهذا القسم لنتفاجأ بإحدى الطالبات وهي تفقد الوعي بعد تعاطيها لسيجارة، حيث تجمع المتواجدون حولها وعلامات الخوف والقلق بادية على ملامحهم، ومن حسن الحظ استرجعت الفتاة قواها بعد مرور بعض الوقت.
ومثلما كان متوقعا، فإن الترويج لهذه السموم يتم داخل الحرم الجامعي بكل أريحية، حيث توجهنا إلى موقع غير بعيد عن قسم اللغات، وهو بمثابة مكان لالتقاء هؤلاء الطلاب وحتى غرباء من خارج الجامعة لشراء وبيع مختلف أنواع المخدرات، وتحدث كل هذه التجاوزات الخطيرة بعيدا عن أعين أعوان الأمن.
وخلال جولتنا، كشف لنا مهدي أن العنصر النسوي يتعاطى المخدرات أكثر من الرجال، مشيرا إلى أنه، خلال الأعوام الماضية، كانت الطالبات تتخذن الأزقة والزوايا لتعاطي المهلوسات بعيدا عن الأعين، إلا أن هذه الممارسات أصبحت اليوم تمارس في العلن دون خوف من نظرات الآخرين .
وتابع الطالب ''كل شخص يقتني هذه السموم، حسب قدرته المادية، ومنهم من يضطر إلى الاقتراض أو السرقة للحصول على الأموال"، مضيفا أن الغرباء ممن يقومون بالترويج للمخدرات داخل الجامعة عادة ما يتفقون مع الطلبة لإدخالها، وكذا استعمال الحيل كإعطائها في البداية مجانا لتوسيع شبكة ترويجها.
وأشار محدثنا إلى أن المخدرات الأكثر تداولا هي القنب الهندي، بالإضافة إلى "الصاروخ" الذي يتراوح سعره بين 500 دج إلى 800 دج، كما يقوم بعض الطلاب مثلا بالاشتراك لشراء 2000 دج من القنب الهندي ويتقاسمونها بينهم، موضحا أنه لا توجد العديد من الحملات التوعية فيما يتعلق بمحاربة المخدرات.
وشاطره الرأي سامي طالب بعلوم التربية والانطروفونيا، يقول: "لطالما شهدنا حالات من الإغماء في أواسط الطلاب بعد تعاطيهم لمخدرات الصاروخ أو "الزومبي"، بالإضافة إلى فتيات خاصة من المقيمات تغيرت حياتهن وتخلين عن مبادئهن بعد مخالطتهن لأصدقاء السوء ليدخلن هذا العالم من أوسع أبوابه"، وفيما يتعلق بالترويج أفاد المتحدث أن الأمن شبه غائب في الحرم الجامعي.
وأردف المتحدث أن الكثير من الغرباء يأتون رفقة كلابهم إلى الجامعة ويثيرون الرعب من خلال تحرشهم بالفتيات، الأمر الذي تنجر عنه العديد من المشاكل، مما يجعل الضحايا تلجأن إلى تقديم شكوى إلى إدارة الجامعة هذه الأخيرة التي تفرض إجراءات أمنية تدوم بضعة أيام فقط لتعود حالة التسيب من جديد.
وأضاف أن الأمن الوطني قام سابقا بعدة مداهمات إلى الجامعة، بعد تلقيه لبلاغات والتي كثيرا ما تصل إلى مسامع مستعملي المهلوسات الذين يلجأون إلى إخفائها في الحشائش، خاصة وأن الجامعة معروفة بمساحتها الشاسعة.
وفي جولتنا التقينا مع المكلف بشؤون الطلبة في رابطة حقوق الإنسان بالمكتب الولائي لولاية الجزائر عابد بلال، والذي لم يمانع في الحديث معنا حول الموضوع، قائلا "إن الإدمان على المخدرات من أكثر المشاكل التي يتعرض لها الفرد بصفة عامة والطالب الجامعي بصفة خاصة، حيث أن آثارها تلحق ضررا أخلاقيا اجتماعيا واقتصاديا... وأضاف أنه يرى بأن الشبكات التي تروج هذه المخدرات اتخذت الوسط الجامعي مجالا خصبا لتوزيع هذه السموم، وهذا راجع إلى أن الطلبة المستهلكين يكون الوصول إليهم بسهولة تامة في ظل غياب الأمن، مؤكدا أن سبب تفاقم هذه الظاهرة راجع إلى الفراغ الذي يعاني منه أغلب الطلبة.
وطالب المتحدث الجهات المعنية بمرافقة الطلبة من خلال برمجة الأنشطة العلمية، الثقافية والرياضية خلال أوقات الفراغ، منوها أن رابطة حقوق الإنسان تقوم بصفة دورية بعقد أيام دراسة في الوسط الجامعي، كان آخرها اليوم الدراسي المنعقد بجامعة باب الزوار.
واستغل المتحدث منبر "الخبر" لإيصال صوت رابطة حقوق الإنسان للسلطات الوصية، بضرورة الضرب بيد من حديد والسهر على القضاء على هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة المتفشية في الوسط الجامعي.
تركنا المكان وكلنا أمل أن ينتهي هذا الكابوس وتتلاشى هذه الآفة الخطيرة التي تعصف بشبابنا، سيما وأن هذه الجامعة ليست سوى عينة فقط لما يحدث بمعظم الجامعات الجزائرية.
"غياب قوانين صارمة زاد في تفشي ترويج المخدرات بالجامعات"
أكد الأخصائي الاجتماعي، كمال العيادي، أنه يجب النظر إلى الجامعة على أنها مؤسسة أو منظمة اجتماعية، وبالتالي فهي تعكس كل ما هو واقع في المجتمع من إيجابياته وسلبياته وكذا تناقضاته، تمايزاته، وصراعاته بالإضافة إلى تضامنه وتكامله وتجانسه، وبالتالي كل ما هو موجود في المجتمع من ظواهر موجودة في الجامعة كمؤسسة أو وحدة اجتماعية، وعليه يمكن استقراء واقعنا المجتمعي بكل حيثياته، من خلال دراسة وتناول واقع الجامعة تناولا علميا تحليليا سوسيولوجيا.
وأكد المتحدث في تصريح لـ "الخبر" أن انتشار المخدرات بات في كل المواضع سواء في الملاعب، الساحات العمومية، المدارس والجامعات، مؤكدا أن الجهات التي تقوم بترويجها تسعى إلى تحطيم الشباب والمجتمع والتأثير عليهم، مستغلين أذنابا لهم يسعون وراء تجارة المخدرات من أجل الربح والثروة.
وأرجع الأخصائي المسؤولية، وخاصة في الجامعة، إلى الإدارة، سيما وأن الترويج لهذه السموم داخل الحرم الجامعي بات علنا وجهرا وأمام أعين عمال الأمن الذين يفوق عددهم في الكليات عدد الموظفين، فضلا عن غياب قوانين صارمة "القانون الداخلي للجامعة"، والتي من المفروض أنها تضع قوانين وعقوبات صارمة لكل متعاطي للحبوب والمخدرات بكل أنواعها، والمفروض أن تصل إلى الطر، وطبعا في غياب ذلك وجد كل تجار المخدرات والمتعاطون فضاء آمنا وملاذا مريحا شاسعا واسعا بين أسوار الجامعة للبيع والاستهلاك واقتناص الضحايا الأبرياء من طلبة العلم .
وأشار العيادي إلى أن نتائج هذا الأمر الخطير والرهيب تتجلى في التجاوزات الحاصلة اليوم بالحرم الجامعي، من اعتداءات بكل أشكالها بداية من الشجارات البسيطة والتحرشات الجنسية إلى الاعتداءات على الأساتذة، والنماذج كثيرة يمكن مراجعتها على مستوى محاضر المجالس التأديبية ومجالس الشرطة، بل يمكن السماع بها في مختلف المحاكم التي أصبح اسم الجامعة يذكر فيها ليس في إطار البحث والعلم والمعرفة وإنما في إطار تحصيل سيجارة من القنب الهندي قد لا يتجاوز وزنها 0,1 غ.
وأضاف أنه ينبغي على الأساتذة أن يكونوا قدوة لهؤلاء الطلبة بعدم التدخين في أوساط الجامعة، لأن سلوكياتهم ببساطة تؤثر على الطلبة وبذلك يصبح الحرم الجامعي خطا أحمر أمام كل من سولت له نفسه المساس به.
وفي هذا السياق، طالب المتحدث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وضع هذه المسألة كأولوية قبل الحديث عن برامج واستراتيجيات القطاع، من خلال تسخير الإمكانيات اللازمة لمحاربة هذه الظاهرة.