+ -

 أخرج أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي، وأصل الحديث عند مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”.

مجالس الذكر رياض تشحن فيها القلوب، وتشرح فيها الصدور، ويتعلم المؤمن فيها دينه، ولها فضائل ومزايا لا حصر لها، ومن ذلك فوز أهلها بالمغفرة والنجاة من النار، ولأهلها حظوة عظيمة عند المولى سبحانه، ففي الصحيح: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا، يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم، حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء، إنما مر فجلس معهم، قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم». ومعنى (ملائكة سيارة فضلا): أي: سياحون في الأرض، فهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم، ولا وظيفة لهم إلا تتبع حلق الذكر.

ومن فضائل مجالس الذكر أن الله تعالى يؤوي أهلها ويقبلهم ويكرمهم، فعند الشيخين: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس، وأما الآخر فجلس خلفهم، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم: فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه». ومن فضائل مجالس الذكر مباهاة الله تعالى بأهلها ملائكته؛ يقول معاوية رضي الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: «ما أجلسكم»؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا، قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك»؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني، أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة».

ومن فضائل مجالس الذكر أن سيئات أهلها تبدل حسنات؛ كما في حديث أنس رضي الله عنه: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله، لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات». ومن ذلك أن أهلها يبعثون تعلو وجوههم الأنوار، كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء”، قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله، حلهم لنا نعرفهم، قال: «هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه». ومن فضائل مجالس الذكر أنها رياض جنة في الأرض: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا»، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: «المساجد»، قالوا: وما الرتع يا رسول الله؟ قال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».

وعموما، فإن مما يستفاد مما ورد من نصوص في ثنايا المقال أن الاجتماع على ذكر الله من أعظم القربات، وأنفع الطاعات؛ ولذا فإنه ينبغي للمؤمن إذا صادف موعظة بعد الصلاة أن يجلس وينصت لها فإنها من مجالس الذكر، وقد ورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم أن بعضهم كان يقول لبعض: «اجلس بنا نؤمن ساعة». فحري بالمؤمن أن يحرص على حضور مجالس الذكر والعلم ومدارسة القرآن، وأن يلتزم الهدي النبوي وفعل الصحب الكرام في ذلك.. والله ولي التوفيق.

إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر1