المقاطعة الاقتصادية نصرةً لغزّة أضعف الإيمان

38serv

+ -

 هل من العيب أن نتعلّم من أعدائنا؟، وهل من الخطأ أن نعتبر بأعدائنا؟ طبعا لا، بل الاعتبار بأعدائنا حالا وأفعالا ومقالا عين الحكمة، وقد قال سبحانه: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}؛ ومن هنا أقول: يا ليتنا نعتبر بحال الصهاينة في وقاحتهم في نصرة باطلهم، وفي تصميمهم على باطلهم، وفي سماجتهم في ترديد ادعاءاتهم، (كفى بك داء أن ترى الموت شافيا .. وحسب المنايا أن يكن أمانيا)، نعم هذا حالنا، صرنا نحتاج للاعتبار بالصهاينة عسى ولعل نقتنع ونخرج من شرك الجدال، وعسى ولعل نتحرك ونخرج من التقاعس والسبات.

أقول هذا الكلام، وقد استمعت لتسجيل للإرهابي المجرم الوزير الصهيوني بن غفير (أجل الله قدركم)، يدعو قطعان الصهاينة لمقاطعة تركيا اقتصاديا، مقاطعة منتجاتها ومقاطعتها سياحيا!. يدعوهم لمقاطعة تركيا اقتصاديا رغم أن موقفها من معركة طوفان الأقصى موقف باهت بارد، مثير للريبة، كموقف كل الدول الإسلامية والعربية بلا استثناء!، ولا يعدو أن يكون تصريحات، أي مجرد أقوال، ومع ذلك ثار هذا الإرهابي المجرم لمجرد تصريحات تبرئ حماس والمقاومة من الإرهاب!.

فما هو حالنا مع المقاطعة الاقتصادية لأعدائنا؟، المقاطعة الاقتصادية للصهاينة، والمقاطعة الاقتصادية للأمريكان، والمقاطعة الاقتصادية للدول الغربية العنصرية كلها؟... أكثر المسلمين لا يهتمون بهذه القضية لا من قريب ولا من بعيد، وليس لهم وعي بهذا الأمر ولا بغيره من الأمور، إذ غالبية المسلمين لا يهتمون بقضايا الأمة المصيرية، وكأنهم ليسوا أفرادا منها، وتكوينهم الفكري وأهواؤهم الشخصية لا تساعدهم على ذلك. وكثير من المسلمين غارقون في بحار من الأهواء الضالة أو السخيفة أو التافهة، ولا يقدرون على التحرر منها، بل قل: لا يريدون ذلك أصلا؛ ولهذا لا يمكنهم تحمل مشاق المقاطعة الاقتصادية الخفيفة!، مقاطعة من وما؟ المؤسسات والشركات التي أعلنت دعمها المباشر للصهاينة في حرب الإبادة التي ترتكبها في حق إخواننا، ولكن تصوروا: كيف نطالب بعض المسلمين أن يقاطعوا (كوكا كولا) أو (بيبسي كولا)؟!، هذا تكليف بالمحال!، كيف نطالب بعض المسلمين بمقاطعة (كارفور) وغيره من محلات وعلامات تجارية (وماركات عالمية)؟ٍ! هذا تكليف بالمحال!، كيف نطالب بعض المسلمين بمقاطعة (نيتفلكس) وغيرها من مؤسسات إعلامية غربية عنصرية؟!...إلخ، بل أجزم أن ثمة من المسلمين من يضحك من هذه الدعوة، ومنهم من يستهزأ بها!؛ لأنهم يرون أنفسهم (فاهمين)!، ومن يدعو لمقاطعة الصهاينة والغرب اقتصاديا (ماراهم فاهمين والو)!، (يرى الجبناء أن العجز عقل .. وتلك خديعة الطبعِ اللئيم).

إن بعض المسلمين ما عادوا يقتنعون بالآية والحديث، بَلْهَ أقوال علمائنا؛ لذلك لا بأس أن أذكرهم ببعض استعمالات الكفار لسلاح المقاطعة فربما تقنعهم: مقاطعة الفلاحين الإيرلنديين للإنجليز في القرن 19، مقاطعة الهنود للبضائع الإنجليزية، مقاطعة الحرفيين الدانماركيين للبضائع الألمانية لمجرد تضييق ألمانيا على اللغة الدانماركية، مقاطعة كثير من الدول الأوربية للبضائع الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، مقاطعة الشعب الصيني للبضائع الأمريكية عام 1906... إلى غير ذلك وهي كثيرة.

وليست هي جديدة، بل استعملتها الشعوب من قِدم، والجميع يعلم بقصة مقاطعة قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وبني هاشم في شعب أبي طالب، والكثير لا يعلمون أنه استعملها صحابي جليل زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد مشركي قريش، ذلك أن ثُمامة بن أُثال رضي الله عنه سيد بني حنيفة حين أسلم ذهب إلى مكة معتمرا، فلما قدمها قال له قائل: صبوت؟، قال: لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حَبَّة حِنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم.

وكل عاقل يعلم أننا في زمن الرأسمالية المتوحشة التي تؤمن بالمادة فقط، وصنمها الأكبر الذهب والدينار والدرهم، ودينها الأوحد التجارة والاستهلاك، وضرب دول الاستكبار العالمي في صنمها ودينها هو ضرب لها في مقتل، فهي تتحمل كل شيء إلا الخسارة الاقتصادية، إلا الركود التجاري، إلا تراجع أرقام الأعمال، إلا الركود، إلا الانكماش الاقتصادي... ولا أدل على ذلك من تحرك أمريكا وبريطانيا السريع لضرب الحوثيين لمجرد تهديدهم لخطوط التجارة العالمية، والمضحك أنهم سموا تحالفهم المهيض (التحالف الحارس للازدهار!)، فهم يصرحون أن ضرب اقتصادهم يؤلمهم أكثر من قتل جنودهم!، وأن الاقتصاد والتجارة والدولار أهم عندهم من حياة البشر، وخاصة أصحاب الدرجة الثانية والثالثة من البشر من غير الغربيين!؛ لذلك لا يشك عاقل أن المقاطعة الاقتصادية ستكون أنكى على هؤلاء المجرمين من القتل والحرب، ولو كانت الشعوب العربية الإسلامية -أقول الشعوب وليس الأنظمة والحكومات الخائنة- على مستوى عال من الوعي والفعالية لأعلنت على الصهاينة وأمريكا خصوصا وعلى كل الدول الغربية المتصهينة عموما حربا اقتصادية ضروسا، بمقاطعة مختلف منتجاتها، بدءا بمقاطعة الأمور التافهة وصولا إلى مقاطعة الأمور الكبيرة والاستراتيجية، وهذا سهل جدا، وذلك باستبدال المنتجات الغربية بمنتجات الدول الأخرى من جهة، وتطوير التكامل الاقتصادي العربي الإسلامي من جهة أخرى، وتنمية العلاقات الاقتصادية الأفرو آسيوية من جهة ثالثة، وتشجيع المنتج الوطني وتطويره وترقيته من جهة رابعة وهكذا. ونترك الصهاينة والغرب يحسبون خسائرهم وتراجع مبيعاتهم.

إن نصرة إخواننا المستضعفين في غزة واجبة وجوبا عينيا، وقد فرّطنا وقصرنا لدرجة أن عمّنا الذل من كل جانب، ولم يبق لنا عذر نقدمه بين يدي الله تعالى، وكلنا يتحجج بأنه ليس هناك ما يمكن فعله، بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن الجهاد درجات، وأن الجهاد وتغيير المنكر بالقلب هو أضعف الإيمان: «.. فإن لم يستطع فبقلبِه وذلك أضعف الإيمان»، فما زاد على الإنكار بالقلب فهو خير، والمقاطعة الاقتصادية وإن كانت عملا سلبيا تركيا فهي أكثر من مجرد التألم القلبي والتأثر العاطفي، ولها أثر واقعي لا ينكر، والله عز شأنه يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم} والمقاطعة الاقتصادية يستطيعها كل قوي وضعيف، ومن عجز عنها فهو عن غيرها أعجز!.

إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة