أسرار كاميرات المراقبة في الجزائر وما يقوله القانون بشأنها

38serv

+ -

يعتمد المزيد من الجزائريين على أنظمة المراقبة بالفيديو لتأمين ممتلكاتهم، غير أن الكثيرين لا يعرفون من المعلومات عن نظام أو أنظمة المراقبة بالفيديو المنتشرة الآن سوى معلومات بسيطة.

 قد لا تنتبه لوجود كاميرا موجودة فوق عمود أو في أعلى جدار أو في سقف ممر في مقر شركة من الشركات. قد تبدوا لك جزءا من ديكور المكان ، لكنك لا تعرف أن بعض هذه  الكاميرات وأغلبها ممنوع في الجزائر ، يمكنها عبر تقنية " زوم " تصوير أدق التفاصيل بل وقراءة أوراق تحملها، كاميرات أخرى حديثة  ترتبط بكمبيوتر ، و برنامج تشغيل حديث جدا يمكن تحميله  من الانترنت ، ستقدم للمتابع على التلفزيون أو الكمبيوتر معلومات دقيقة حول الشخص الذي تم تصويره مثل آخر مرة تم تصويره فيها ،   عدد مرات تصويره و تواريخ التصوير، وهذا فضلا عن أنظمة التعرف على الوجوه التي كانت الى غاية ما قبل تداول  الذكاء الاصطناعي ممنوعة لكنها الآن عادية ، و لعل اغرب تقنيات مراقبة الفيديو ، ما يعرف ببرنامج الحالة النفسية ، و هو برنامج يمكنه عبر قراءة لغة الجسد و ملامح الوجوه معرفة الحالة النفسية و تستعمله  مراكز تجارية  و بنوك في الدول الغربية ،  وهذا فضلا عن أنظمة المراقبة بالفيديو القادرة على كشف السرقة في المراكز التجارية أو في مواقع توقف السيارات .                  

انتشار كاميرات المراقبة 

 تجار وأصحاب اقامات فاخرة أو فنادق أو مستودعات أو فيلات يقومون بتركيب أنظمة المراقبة بالفيديو لحماية ممتلكاتهم من   السرقة، وأحصت وزارة الداخلية في عام 2016 وجود أكثر من 12 الف مبنى مجهز بكاميرات المراقبة دون احتساب أنظمة المراقبة المملوكة لهيئات عمومية رسمية. ويقول السيد  مقداد عبد الله مسير شركة  متخصصة في أنظمة الأمن  " وغم تراجع الاقبال على تركيب أنظمة الأمن و الإنذار من السرقة في السنوات الأخيرة ، بسبب تشبع السوق الداخلي في الجزائر إلا أن شركتنا لوحدها متعاقدة مع خواص لتركيب أنظمة مراقبة بالفيديو في 08 ولايات هي  الجزائر البليدة بومرداس تيبازة تيزي وزو وهران مستغانم سيدي بلعباس وسطيف ، و نعمل أيضا في صيانة الشبكان في 15 ولاية " وأضاف المتحدث اغلب زبائن الشركة هم أصحاب شركات خاصة "  ، و يضيف السيد مقداد قد نشهد في السنوات القادمة المزيد من الاقبال على أنظمة المراقبة بالفيديو ليس فقط لأسباب أمنية بل أيضا لأنها صارت جزءا من الحياة  بالنسبة للكثيرين " .

 في البداية لجأ أصحاب مراكز تجارية أو شركات أو أشخاص اغنياء  لتركيب أنظمة المراقبة بالكاميرات في المباني، للحماية  والانذار ضد السرقة ، و لكن الوضع اختلف الآن كما يقول عدد من خبراء الأمن المتخصصين في مجال أنظمة الإنذار و الأمن في المباني ، لقد تحول الموضوع الى " موضة " ، فالكثير من الاقامات السكنية الراقية اليوم تم تجهيزها أثناء البناء بأنظمة المراقبة و الإنذار كخدمة إضافية توفرها شركة الترقية العقارية، ويقول خبراء في المجال  ان كل مقرات الشركات الجديدة الخاصة و المراكز التجارية التي تم افتتاحها بعد عام 2012  تم تجهيزها   بأنظمة المراقبة التلفزيونية ، و في السنوات الخمسة الأخيرة تم تجهيز الاقامات الفخمة في المدن الكبرى أو التجمعات السكنية  تم تجهيزها  أيضا بهذه الأنظمة ،  يقول  الخبراء إن 80 بالمئة من خدمات الشركات المتخصصة في تركيب شبكت الإنذار من السرقة و المراقبة ، اليوم هي في صيانة وتجديد الشبكات القديمة ،  وتتزايد حسب أصحاب  شركات تركيب كاميرات المراقبة  الطلبات من قبل الخواص  لتأمين بيوتهم  ومحلاتهم ومقرات الشركات ،  وحسب السيد بوجار محمد  تقني في  أنظمة الكترونية  وكهرباء السكنات  عمل في  شركة خاصة مقرها  في العاصمة ، فإن  الطلب  تزايد في السنوات الثلاثة الأخيرة  على تركيب   الأقفال الالكترونية وأجهزة  إنذار ضد  السرقة  تعمل بأشعة  الليزر والأشعة تحت الحمراء، ويضيف   مروان من أغرب الزبائن الذين شاهدتهم في حياتي صاحب   محل تجاري  لا يتعامل مع أية أغراض غالية وهو محل عادي في أحد أحياء  العاصمة  رغم هذا جهز محله بمعدات أمن كلفته أكثر من 40  مليون سنتيم  .

المراقبة بالفيديو وحق المواطن في الخصوصية

 يخضع نظام المراقبة بالكاميرات في الجزائر للقانون طبقا لـ - المرسوم التنفيذي 16-61 المتمم والمعدل للمرسوم التنفيذي 09-410    ثم القرار الوزاري المشترك (الدفاع الوطني، الداخلية، المالية، النقل، البريد) المؤرخ في 13 أكتوبر 2011 . و على عكس ما يعتقده الكثيرون فإن أنظمة المراقبة بالفيديو سواء الرسمية التي تديرها الدولة في المدن و الهيئات الرسمية و غيرها أو المملوكة للخواص، لا يجوز استعمالها في التجسس أو جمع معلومات عن الأشخاص، بل لها مهام أمنية، و لها هدفين اثنين فقط هما منع وقوع الجرائم و التدخل السريع في حال وقوع أي جريمة والثاني هو استغلال تسجيلات الفيديو للتحقيق حول الجرائم بعد تلقي بلاغات أو اثناء التحري و التحقيق.  ولهذا السبب يجب ان يتم تثبيت الكاميرات في مواقع ظاهرة للجميع ولا يجوز اخفاؤها، وأن يعرف الجميع بوجود أنظمة المراقبة بالفيديو من خلال تعليق لافتات، و هذا من أجل ضمان خصوصية الناس و المواطنين، أو المترددين على المحلات التجارية أو مقرات الشركات و الإدارات، وطبقا للوائح القانونية المعتمدة في كل دول العالم لا يجوز استخراج أي تسجيل فيدو من نظام مراقبة عمومي إلا بإذن قضائي.

وفي الجزائر ورغم أن الأجهزة  الأمنية هي التي تدير أنظمة المراقبة بالفيديو، فإنها غير مخولة استخراج أي مقطع فيديو إلا بإذن من وكيل الجمهورية المختص، و المسألة الجوهرية  في نظام المراقبة بالفيديو هي جملة " هذه الكاميرا موجودة لحمايتك وأمنك "  وهي الجملة التي تكتب في لافتات ببعض الدول ، لطمأنة الأشخاص على خصوصيتهم أولا و ثانيا حتى يأخذ كل شخص احتياطاته اثناء التواجد في أماكن خاضعة للمراقبة بالفيديو ، لهذا السبب تفرض قوانين كل الدول أن تكون الكاميرات ظاهرة في مواقع يمكن ان تشاهد بسهولة ، و أن تعلق لافتات تؤكد وجود مراقبة  تلفزيونية، ولهذا السبب نجد في الشركات الخاصة و الفضاءات التجارية و المحلات و الإدارات لافتات تؤكد وجود مراقبة بالفيديو.

 يقول خبير أنظمة الإنذار ضد السرقة والمراقبة بالفيديو ، طياب خالد وهو مهندس متخصص، "  يطلب منا بعض أصحاب المحلات التجارية ، و الإقامات و الفيلات و المجمعات السكنية،  تركيب  كاميرات المراقبة في أماكن غير متوقعة ، و أن تكون الكاميرات غير ظاهرة للناس ، و ترفض المؤسسة التي أعمل بها  هذه الطلبات ، فنحن نعتمد المخطط الذي توافق عليه الولاية في أثناء التركيب ، و نعتمد أيضا و هذا مهم جدا قواعد ثابتة في تركيب شبكة المراقبة بالفيديو وهي أن كاميرا المراقبة لها مهمة أمنية ، وليست لها مهمة للتجسس ،  وهذا أمر بالغ الأهمية ، فحتى بالنسبة لأنظمة المراقبة بالفيديو الموجودة في بعض المدن الجزائرية الخاضعة لأشراف مصالح الأمن ، فإنها موجودة لهدف وقائي أكثر من كونها موجودة لهدف أو غرض جمع المعلومات ، فالمواطن  سيشعر بالرحة نسبيا عندما يسير في شارع تراقبه الشرطة بالفيديو وهو يعتقد أن الشرطة ستتدخل بسرعة في حالة رصد أي اعتداء.

 تحذير..  03 سنوات سجنا عقوبة وضع كاميرا دون ترخيص

طبقا للقانون سيما رقم 06/23 الصادر في 2006، تصل عقوبة تصوير الأشخاص دون إذن بالسجن 03 سنوات كحد أقصى وألا تقل العقوبة عن 06 أشهر، ـ وجاء في نص المادة كل من تعمد المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص، بأية تقنية كانت، أو شرع في الفعل دون ارتكابه. لهذا السبب فإن أي موقع عمومي أو يفترض في كونه عمومي يمنع فيه تركيب أي نظام مراقبة سواء كان مخصصا لالتقاط الأصوات أو التصوير ، و يسري هذا على الشوارع الطرق الساحات العامة المرافق الإدارية الفضاءات التجارية و مكاتب الخدمات ، وأيضا الجزء الخارجي من أي سكن أو بناية مملوكة للخواص ، لكن المخالفة الأخطر التي يقع فيها بعض الخواص هي نشر أو إعادة نشر مقاطع فيديو لم التقاطها بكاميرات المراقبة الموجودة  أماكن عمومية ، و هذا ما يظهر بين الحين والآخر في شبكات التواصل الاجتماعي، و هنا يكفي ان يقوم المعني بإيداع شكوى لدى العدالة . يقول هنا المحامي بن الديب سليم " ما يتجاهله الكثير من الخواص هو أن تسجيلات الفيديو التي تلتقها الكاميرات الخاصة بهم  ممنوعة من النشر والتداول وأن الجهة الوحيدة المخولة الاطلاع عليها هي العدالة في اطار تحقيق" كما أن  بعض الخواص يتجاهلون القانون سواء بوضع كاميرات مراقبة في المحلات دون أخذ اذن رسمي أو مخالفة التراخيص الإدارية الخاصة بنظام المراقبة ، و منها مثلا وضع كاميرات غير حقيقية في مواقع معينة ،  ومنها احدث طرق المراقبة بالكاميرات والتي يعتمدها بعض أصحاب الفيلات الفخمة و الاقامات الراقية ، هي وجود كاميرات مراقبة وهمية في مواقع ، وتركيب كاميرات في مواقع مموهة ومخفية، بينما يمتنع   بعض الخواص عن وضع لافتات تحذر من تركيب نظام  الفيديو في المواقع الخاضعة للمراقبة.

مع اللصوص وضد اللصوص في نفس الوقت

فوجئ المحققون في قضية سرقة محل مجوهرات بوجود أكثر من 20 تسجيل فيديو لمدخل محل المجوهرات، في جهاز كمبيوتر ضبط لدى أحد المتورطين في جريمة سرقة  مجوهرات بقيمة 600 مليون سنتيم بالعاصمة الجزائر، في عام 2017 ، مجموع ساعات مراقبة المحل بلغ حوالي  50 ساعة من المراقبة ،  حسب ما كشفت عنه وقائع محاكمة المتهمين الثلاثة  التي تمت في شهر يناير  2019 .

 لم يتنبه  صاحب  محل بيع مجوهرات في العاصمة الى وجود طاولة بيع للسجائر قبالة محله إلا بعد أسابيع ، و لم يثر وجود هذه الطاولة انتباه  التاجر، لكنه اكتشف سر وجود هذه الطاولة مباشرة بعد تعرض محله لعملية سطو شديدة الذكاء ، بائع السجائر العشريني الذي لم يكن يتكلم كثيرا مع الزبائن ،  وكان يرتدي قبعة رياضية تغطي بعض ملامح وجهه ، قاد محققي الشرطة في العاصمة  الى حل لغز السرقة الذكية جدا، و التي تكشف  توسع استعمال  كاميرات المراقبة في الحياة ، ففي البداية  توجه ضباط من الشرطة الى محلات بيع السجائر الموجودة في الحي، بحثا عن الشاب المتورط على الاغلب في الجريمة ، و لم تسمح كاميرات المراقبة في الشارع بالتعرف على الشاب بسبب قبعته الرياضية ،  ولم يتوصلوا الى أي معلومة ، بعدها غير المحققون الطريقة وبحثوا في احياء قريبة ، و فجأة توصلوا الى معلومة مهمة بعد فحص كاميرا المراقبة الموجودة في محل بيع سجائر بالجملة ، لقد توصلوا أخيرا الى هوية الشاب بعد فحص تسجيلات فيديو قديمة ، و من هنا تم توقيف المتورط الأول الذي قاد المحققين الى باقي المتهمين ، و قد تبين أن بائع السجائر كان مكلفا بمراقبة المحل و حتى لا يثير الانتباه فقد جهز طاولة السجائر لإخفاء كاميرا هاتف لمراقبة المحل و حتى لا يثير الانتباه اذا وقف مقابل المحل.

في قصة أخرى، كان هدف عملية السطو على فيلا يملكها رجل أعمال من الغرب الجزائري ، هو الوصول الى خزنة موجودة  في غرفة النوم ، و قد تم التخطيط بدقة لكل شيء ، و عقب نجاح المتورطين في الدخول الى الفيلا ، و أثناء محاولة فتح الخزانة الحديدية ، حاصرت الشرطة المكان و نصبت كمينا لـ اللصوص،  وانتهت العملية  بتوقيف  المتورطين، في مستغانم في عام 2018، كل شيء  تم التخطيط له بعناية فائقة لكن الخطأ الوحيد كان عدم علم اللصوص بوجود كاميرا سرية ، فقد راقبوا  الفيلا لأكثر من شهرين كما اعترفوا في اثناء التحقيق ، و عرفوا كل شيء عن صاحب الفيلا و عائلته و مواعيدهم ، بل وعرفوا أيضا كيفية تعطيل جهاز الإنذار ضد السرقة الذي تم تركيبه في باب الفيلا الخارجي و الداخلي ، ومواقع كاميرا المراقبة الموجودة في الفناء  لهذا السبب تسللوا عبر السور الخارجي ثم من خلال باب في السطح ، لكنهم لم يعرفوا المعلومة الأكثر أهمية وهي وجود كاميرا مراقبة سرية موجودة في غرفة النوم الأهم في المكان ، هذه الكاميرا كانت مرتبطة بالهاتف النقال لصاحب الفيلا، اللصوص انتظروا عدة أسابيع الى غاية انقطاع الكهرباء لمعرفة عدد اجهزة  الإنذار ضد السرقة و صوتها ، و تجسسوا على كل شيء، و كانوا بارعين فقد مروا في الزاوية التي لا يمكن لكاميرا المراقبة الموجودة في الفيلا تصويرهم بدقة .

 قبل تسليمه للشرطة

تحول  مقطع فيديو شهير ، تم نشره  في صيف2022 في يوتيوب و فيسبوك الى ترند  في الجزائر، المقطع كشف سرقة محتويات سيارة كانت متوقفة ، من قبل شخص كان يرتدي عباءة في وقت صلاة الجمعة بمدينة جزائرية كبيرة ،  و رغم أن الفيديو اثار ضجة كبيرة لكنه سبب  مشكلة كبيرة  لصاحب المحل التجاري، لأنه نشر الفيديو أو سلمه للضحية  قبل تسليمه للشرطة ، و  لأن زاوية التصوير كشفت أن الفيديو تم التقاطه من كاميرا كانت مثبتة داخل المحل ،   ودفع نشر مقطع الفيديو المتهم للفرار الاختفاء ، و أدت الى تأخير توقيفه لعدة أسابيع لاحقة ،  و  كرر تجار  و أصحاب محلات في سنوات ماضية نشر مقاطع فيديو تظهر محاولات سرقة من محلاتهم التجارية ، بعض مقاطع الفيديو هذه تكشف بشكل مباشر عن وجوه  المتورطين في حوادث السرقة في تصرف مخالف بشكل تام للقانون، و شهدت السنوات  الأخيرة  نشر العشرات من هذه المقاطع المقطوعة من تسجيلات مصورة التقطتها كاميرات في محلات تجارية موجودة في المحلات، مقاطع فيديو أخرى  تلتقط بكاميرات الهواتف لمخالفات مرورية أو تصرفات سيئة  لأشخاص ،  وبالرغم  من افتراض احتمال سلامة النية إلا أنهذه التصرفات تتضمن مخالفة صريحة للقانون الذي ينص  على افتراض براءة  المتهم قبل مثوله امام أي  محكمة جنائية، وينص أيضا على منع تصوير أي شخص دون اخذ اذن رسمي منه.