اهتم الإسلام بالنظافـة الفردية لكل مسلم، وبالنظافة العامة في البيئة والمجتمع، ودعا الناس إلى الالتزام بالطهارة، وإزالة الأقذار، والعناية بكل مكان ينزل به الإنسان، حيث بني الدين على النظافة الباطنية والظاهرية، وهو منسجم مع مفهوم الطهارة، فقد كان من أوائل ما نزل من القرآن قوله تعالى: {وثيابك فطهر} بعد أن قال: {وربك فكبر}، فقرن التوحيد بنظافة الثوب.
لقد حرم الإسلام كل أسباب الفساد الحسي، ومنه تلويث البيئة، حماية لها وصيانة لحق الإنسان من الضرر الذي يلحق عناصرها التي تقوم حياته عليها، كما تجلى ذلك واضحا في وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين لأمراء الجيوش في المحافظة على البيئات التي ينتشر الإسلام فيها، خاصة أن البعض منها تختلف كليا عن البيئة الصحراوية أو البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم.
وأكد الإسلام على الإنسان لأنه هو المفسد ببيئته من خلال استغلاله لها استغلالا جائرا وغير عقلاني، وحرص على أن تكون البيئة جميلة حسنة خالية من كل شيء يؤثر في جمالها ورونقها. وحتى تظل البيئة جميلة، شرع الإسلام بعض التشريعات التي تسهم في ذلك، ومنها:
-حارب التصحر، وذلك بالحث على تعمير الأرض وإحيائها واستصلاحها وتشجيرها حتى لا تظل جرداء قاحلة، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: “من أحيا أرضا ميتة فهي له”، وحث على المزارعة حتى لا تظل الأرض بورا لا ينتفع بها أحد.
-نهى عن قطع الشجر، لأن قطعه يؤثر في جمال البيئة من جهة، ويحرم الناس والحيوان من الاستفادة منه، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقطعوا الشجر، فإنه عصمة للمواشي في الجدب”.
-أمر بإماطة الأذى، كالأوساخ والقاذورات، وكل ما فيه أذى عن الطريق حتى تظل الأرض نظيفة جميلة تسر الناظرين إليها. وجعل ذلك من شعب وخصائل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.
-حث على النظافة في الساحات والبيوت والمنازل والطرقات وسائر الأماكن، فقد ذكر أهل العلم أن المروءة في النظافة وطيب الرائحة.
-أمر بالحفاظ على الطرق والمنتزهات، وجعل لمن أفسدها أشد العقاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم”.
وأما من الناحية التاريخية، فقد ظل المسلمون يحافظون على بيئتهم ونظافة أنفسهم، ظاهرا وباطنا، ونظافة كل ما حولهم، ويعتبرون ذلك عبادة وقربة يتقربون بها إلى الله تعالى. فقد حافظ الإسلام على البيئة بالنهي عن الإضرار بها، والأمر بالمحافظة عليها، ومن الأمور التي نهى الله عنها لحفظ البيئة، الإفساد في الأرض عموما، كما في قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}.
ومما ينبغي على المسلم حين التنزه والخروج للبراري والمساحات الخضراء الحرص غاية الحرص على نظافة المكان، وتركه كما كان، أو أحسن مما كان قدر الإمكان، وهذا مما جاء به الشرع وحث عليه. وكذلك المحافظة على الأشجار والنباتات، وتجنب تلويث الحدائق والمنتزهات، ببقايا الأطعمة والنفايات، والمخلفات البلاستيكية والزجاجية التي تضر بالإنسان والنبات والحيوان، وكذلك البعد عن الاحتطاب والرعي الجائر، كما يلاحظ عدم إشعال النار إلا في الأماكن المسموح بها، وإطفاؤها ليلا عند النوم، وعند مغادرة المكان.
إن تلك الصبغة الجمالية التي تميز الطبيعة، على اختلاف مكوناتها، ليست إلا تطبيقا لقاعدة عامة أقرها الله سبحانه وتعالى في كل ملمح من ملامح الكون، كما أحب لعباده أن يتخلقوا بها؛ تلك هي (قاعدة الجمال)! فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله جميل يحب الجمال”.
وفي جانب العبادات، حث الإسلام على النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية، فمفتاح الصلاة الطهور، والطهارة من شروط الصلاة، ولا تتم إلا بوجود ماء طهور لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، فإن يجد فالصعيد الطيب طهوره، والغسل والاستحمام لا يتم إلا عند توفر ماء طهور نقي من التلوث وكدر الأوساخ.
والبقعة التي يصلي عليها المسلم لابد أن تكون نظيفة، فإذا تلوثت الأرض، فإن الصلاة لا تصح عليها؛ قالصلى الله عليه وسلم: “وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل”.
والمساجد بيوت الله، ودور العبادة والعلم، واجب صيانتها وتطهيرها معنى وحسا؛ قال تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكاَن البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِبناء المساجد في الدور، وأن تنظف، وتطيب”.وزجر عليه الصلاة والسلام عن ارتياد المساجد بما فيه رائحة تؤذي، فقال: “من أكل ثوما أو بصلا فليعتزِلنا، أو ليعتزِل مسجدنا وليقعد في بيته”.
ولمكافحة التلوث البيئي، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل منه”. وهذا يدل على كمال الشريعة الإسلامية وسموها؛ من حيث النظافة والنزاهة، وبعدها عن القذارة والوساخة، وتحذيرها عما يضر الناس في أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم.