الأعمال الصالحة سبب كل خير في الدنيا والآخرة، وأعظم الأعمال وأفضلها: أعمال القلوب، كالإخلاص، والتوكل، والخوف، والرجاء، والرغبة، والرهبة، وحب ما يحب الله، وبغض ما يبغض الله، وتعلق القلب بالله وحده في جلب كل نفع ودفع كل ضر:{وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله}، وأعمال الجوارح الصالحة تابعة لأعمال القلوب: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، والأعمال السيئة الشريرة سبب لكل شر في الدنيا والآخرة: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
والعبد مأمور بالطاعات، ومنهي عن المحرمات في جميع الأوقات، ولكنه يتأكد الأمر بالعمل الصالح في آخر العمر وفي آخر ساعة من الأجل، ويتأكد النهي عن الذنوب في كل وقت من الأوقات، ولكنه يتأكد أكثر في آخر العمر وفي آخر ساعة من الأجل: «إنما الأعمال بالخواتيم»، فمن وفقه الله للعمل الصالح في آخر عمره، وفي آخر ساعة من الأجل، فقد كتب الله له حسن الخاتمة، ومن خذله الله فختم ساعة أجله بعمل شر، فقد ختم له بخاتمة سوء، وقد حثنا الله تعالى وأمرنا بالحرص على نيل الخاتمة الحسنة: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
والسعي لحسن الخاتمة غاية الصالحين، وهمة العباد المتقين، ورجاء الأبرار الخائفين: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، فالصالحون تعظم عنايتهم بالأعمال الصالحة السوابق للخاتمة، كما أنهم يجتهدون في طلب الخاتمة الحسنة فيحسنون الأعمال، ويحسنون الرجاء والظن بالله تعالى، ويسيئون الظن بأنفسهم: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله، أولئك يرجون رحمت الله}، ومن صدق الله في نيته وعمل بسنة رسول الله، واتبع هدي أصحابه، فقد جرت سنة الله تعالى أن يختم له بخير.
وأسباب الخاتمة الحسنة كثيرة منها: المحافظة على الصلوات جماعة: «من صلى البردين (الفجر والعصر) دخل الجنة»، ومن الأسباب كذلك الإيمان والإصلاح: {فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، ومنها تقوى الله في السر والعلن: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}، ومن الأسباب أيضا: اجتناب الكبائر وعظائم الذنوب: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}. ومن أسباب حسن الخاتمة: لزوم هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، واتباع طريق المهاجرين والأنصار والتابعين رضي الله عنهم: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار}، ومن أسباب التوفيق: البعد عن ظلم الناس، وعدم البغي والعدوان عليهم في نفس أو مال أو عرض: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما حرم الله»، ومن أسباب التوفيق لحسن الخاتمة: الإحسان إلى الخلق: «صنائع المعروف تقي مصارِع السوء»، ومن الأسباب كذلك الدعاء: «لا ينجي حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل»، ودعاء المسلم لأخيه المسلم بحسن الخاتمة مستجاب: «ما من مسلم يدعو لأخيه بالغيب إلا قال الملك: آمين، ولك بمثلِه».
ومن هنا، فلنسع إلى تحصيل أسباب حسن الخاتمة ليوفقنا الله إلى ذلك، ولنحذر أسباب سوء الخاتمة، فإن الخاتمة السيئة هي المصيبة العظمى، والداهية الكبرى، والكسر الذي لا ينجبر، قال ابن أبي مُلَيْكة: أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه، ويقول ابن رجب: كان سفيان الثوري يشتد قلقه من السوابق والخواتم، فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا، وقد ورد: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم يقولون: ماذا يختم لنا، وقلوب المقربين معلقة بالسوابق يقولون: ماذا سبق لنا.. والله الولي التوفيق.
*إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي