التعرف إلى الله يشتمل على التعرف إليه سبحانه بالإيمان به، ومعرفة أنه لا يتصرف في هذه الأكوان ولا يديرها إلا هو سبحانه، وبهذا يخرج الملحدون وأضرابهم ممن لا يؤمنون بالله، أو ممن يعتقد أن هناك مدبرا للكون مع الله. والتوجه إلى الله عز وجل بالعبادة، وصرف كل أنواعها إليه سبحانه لا إلى غيره، فلا يبقى الإنسان بدون معبود كما هو شأن كثير من الضالين والمنحرفين الذين لم تتوجه قلوبهم إلى عبادة الله عز وجل، فمنهم من يعبد الدنيا، ومنهم من يعبد الكرة، ومنهم من يعبد المال، وهكذا. والتعرف إلى الله بأسمائه وصفاته، ففي الصحيح: “إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر”.
الإنسان معرّض للفتنة في دينه، فيحتاج إلى أن يكون الله عز وجل معه، فيوسف عليه السلام تتزين له امرأة العزيز وتقول: هيت لك، وكان في حكم الرقيق في بيت الملك، والتي راودته سيدته، بل وهددته إن لم يفعل بالسجن أو الصغار، فهو في موقف شدة، ولكن لأن يوسف قد تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء، فإن الله تعالى تعرف إليه في هذه الشدة، فيقول: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}، وكذلك إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}، ولنستمع أيضا إلى ما حكاه الله عز وجل من قصة يونس عليه السلام: {إذ أبق إلى الفلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين}، حين أداروا القرعة فوقعت عليه فألقوه في اليم، فالتقمه الحوت وهو مليم: {فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} فإنه لما قال: {سبحانك إني كنت من الظالمين}، قال الله عز وجل: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم}، ثم بين تعالى أن هذا ليس خاصا بيونس بل هو عام لكل من تعرفوا إلى الله في الرخاء: {وكذلك ننجي المؤمنين}، فهذا الأمر هو سنة الله عز وجل في أنبيائه وفي أتباعه، فإذا صدقوا في التقرب إليه والتعرف عليه، كان الله عز وجل لهم في حال الشدة.
ولننظر، في المقابل، إلى فرعون حين أطبق عليه البحر وأدرك أنه هالك لا محالة، فلم ينفعه ما كان له من المال والولد والسلطان والخدم، فقال: {آمنت أنه لا إله إِلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين}، لقد قال ذلك بعد فوات الأوان، فجاءه الجواب: {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم نُنَجِّيكَ ببدنك لتكون لمن خلفك آية}، وعند الترمذي: “إن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يقول: كيف لو رأيتني يا محمد وأنا آخذ من حال البحر (طين أسود)، فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة”، وفعلا بين الله عز وجل مصيره يوم القيامة، فقال: {يقدُم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود}، وبين مصيره في حياة البرزخ، فقال: {النار يُعرَضون عليها غدوا وعشيا}.
فنحن ندرك، لا محالة، أننا معرضون لكثير من المصائب والنكبات في أنفسنا وفي أموالنا وفي أولادنا، ومعرضون لأن تصيبنا مصيبة الموت في كل لحظة، فلنأخذ بوصية المعصوم: “تعرف إلى الله عز وجل في حال الرخاء يعرفك في حال الشدة”، أما إذا لم نفعل، فإن الله عز وجل يتركنا حتى لا يبالي بنا في أي واد نهلك، وحينئذ لا ينفعنا أن نجأر إليه إذا نزلت بنا الشدائد وألمت بنا المصائب.. والله ولي التوفيق