التقسيم الإداري “رهينة” الجهوية والعروشية والمال

+ -

هل فعلا نحن بحاجة إلى تقسيم إداري؟ وهل التقسيمات الإدارية السابقة كانت كلها في مستوى تطلعات المواطنين؟ ألم تخل من النقائص؟ هل كل شيء كان على ما يرام؟ ألم يكن هناك “ضحايا” للتقسيم الإداري؟ وإن كان هناك “ضحايا” لماذا لم تتحرك السلطات العمومية لتدارك الوضع؟ أو ليس التقسيم الإداري تتحكم فيه معايير الجهوية والولاء والانتماء السياسي والعروشية وجماعات الضغط والنفوذ، وأصحاب المال؟ ألم يحفظ التاريخ الحديث أن هناك “مدن”، إن صح تسميتها كذلك، رقّيت إلى مصف الولايات بخطأ أو ضربة حظ؟ثم لماذا تأخرت السلطات العمومية في مجرد الحديث عن مشروع التقسيم الإداري عندما كانت الظروف مريحة ومواتية؟ ولماذا لا يتحدث مسؤولونا عن التقسيم الإداري إلا في الحملات الانتخابية، سيما في الرئاسيات، عندما يطلقون العنان ويقدموا وعودا لترقية بعض المدن إلى ولايات، لكن سرعان ما تذوب تلك الوعود العسلية بمجرد انتهاء العملية الانتخابية، وهكذا دواليك؟الأكثر من ذلك، لماذا خرج علينا الرئيس بوتفليقة، قبل أيام، ليعلن عن مشروع تقسيم إداري يحمل طابع الاستعجالي لفائدة مناطق جنوب الوطن، في انتظار ترقية مدن بالهضاب العليا إلى ولايات منتدبة؟ يذكر أن هذا الإعلان جاء في سياق امتصاص غضب سكان الجنوب، سيما سكان عين صالح الذين تمسكوا بموقفهم الرافض لاستغلال الغاز الصخري.ولأن مسوؤلينا لا يجيدون “فن” تسيير الأزمات، بقدر ما يتقنون فن الخطابات وإطلاق الوعود، سارعت الحكومة إلى إعلان ترقية بعض المدن إلى ولايات منتدبة، الأمر الذي سرعان ما ألهب مناطق أخرى، لتكون الحكومة مرّة أخرى مضطرة إلى مواجهة المطلب الشعبي بالوعود تحت “أغنية” تحمل عنوان “تقريب الإدارة من المواطن”، وأين كانت هذه الإدارة من قبل؟   وكان الرئيس بوتفليقة قد أكد، في أول اجتماع لمجلس وزراء الحكومة الجديدة، على الشروع في التقسيم الإداري الإقليمي الجديد بإيلاء الأولوية في السنوات الأولى لمناطق الجنوب والهضاب العليا. وذكر رئيس الدولة، مثلما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، بأن عامل المسافات “يفرض” التعجيل بتقريب الإدارة الإقليمية من المواطنين التابعين لدائرة اختصاصها.ويندرج التقسيم الإداري، كما جاء في البيان الذي عقب أول اجتماع لمجلس وزراء الحكومة الجديدة في مارس 2014، ضمن البرنامج الخماسي (2015-2019) على أساس المشاورات الوطنية والمحلية التي تمت مباشرتها منذ بضع سنوات بشكل فعلي في هذا المجال بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2012. وتجلى هذا الاهتمام بوضوح منذ عدة سنوات خلت، حسب البيان، حيث تعهد رئيس الجمهورية بإجراء تقسيم إداري من شأنه السماح لعدد من الدوائر، خاصة بالمناطق الجنوبية وبالهضاب العليا، بالارتقاء إلى ولايات.وكان الرئيس بوتفليقة في حملته الانتخابية لرئاسيات 17 أفريل الماضي، على لسان مدير حملته عبد المالك سلال، أكد أن التقسيم الإداري الذي شكّل أحد أهم النقاط المندرجة ضمن برنامجه الانتخابي أمر أضحى “أكثر من ضرورة”، حيث إن “هناك عدة جهات من الوطن أصبح من اللازم الارتقاء بها إلى ولايات”.كما كان، بالمناسبة، قد تعهد خلال الحملة ذاتها بترقية عدد من دوائر البلاد إلى مصاف ولايات، من بينها دائرة عين صالح بتمنراست التي تبعد عن عاصمة الولاية بنحو 700 كيلومتر، ودائرة المنيعة التابعة لولاية غرداية، وكذا دائرة تڤرت (ورڤلة) ودائرة العلمة بولاية سطيف، إضافة إلى دائرة فرندة بولاية تيارت، وغيرها من المدن.وبدائرة العلمة بولاية سطيف شدد سلال على أن هذا الأمر (التقسيم الإداري) “لا رجعة فيه”، بحكم أنه أضحى “أكثر من ضرورة”، مشيرا في السياق ذاته، ومن دائرة فرندة (تيارت)، أن التقسيم الإداري الذي يعتزم الرئيس بوتفليقة تطبيقه يهدف إلى تكريس مبدأ تقريب الإدارة من المواطن.من جهته، كان المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي قد رفع إلى رئيس الجمهورية التوصيات المنبثقة عن الجلسات الوطنية التي عقدت سنة 2011، والتي تضمّن جزء كبير منها ضرورة إدراج تقسيم داري جديد يكفل “العدالة” في التنمية المحلية ويقرب الإدارة من المواطنين، خاصة بولايات الجنوب الكبير والهضاب العليا.وتضمّن التقرير النهائي، في هذا المقام، وفق ما دعا إليه المواطنون وممثلوهم في الحركة الجمعوية وبالمجالس المنتخبة (البلدية والولائية)، ضرورة تحسين ظروف معيشة المواطنين وإحداث توازن جهوي والقضاء على الاختلالات الإقليمية وكذا توفير ظروف تنمية مستدامة.كما أوصى التقرير بإعادة تحديد مهام الدولة والتوجه نحو نظام جديد للنمو وإعادة تنشيط الأقاليم وتعزيز الديمقراطية المحلية، وكذا تدعيم عملية اللامركزية وتوطيد العلاقات بين الإدارات المحلية والمجتمع المدني، مع ضرورة التكفل بتطلعات سكان المناطق النائية ومناطق أقصى الجنوب.وضمن هذا المسعى، أكد رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، محمد صغير باباس، على ضرورة “تصحيح الآليات المتبعة في تسيير الجماعات المحلية وإيجاد موارد مالية قارة لها، إضافة إلى إحداث تقسيم إداري جديد في القريب العاجل لتعزيز اللامركزية في التسيير”.ويبقى موضوع التقسيم الإداري يؤرق السلطات العمومية، مهما كان التوجه الذي سيأخذه المسار، حتى وإن اختارت الحكومة “تبني” التقسيم الإداري عبر مراحل، انطلاقا من الجنوب ثم الهضاب العليا، إلا أنها ستكون في مواجهة غضب شعبي من سكان المدن التي ستقصى، أكيد، من ترقيتها إلى ولايات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: