مسنات يتنافسـن على حفظ القـرآن في رمضان

+ -

الحاجة فضيلة، خالتي حنيفة، خالتي فطيمة وغيرهن.. نسوة تجاوزن الخمسين من العمر بسنوات، التقيناهن في يوم رمضاني أمام أحد مساجد حي باب الوادي بالجزائر العاصمة بعد خروجهن من درس حفظ القرآن الذي يحرصن على متابعته بلهفة طالب العلم الذي حرم منه طيلة سنوات، وهمّهن الوحيد قراءة المصحف الكريم بسلاسة.الحاجة فضيلة، 70  سنة، روت لنا قصة إصرارها على تعلّم أبجديات اللغة العربية وهي التي ربّت 7 أبناء درسوا كلهم وتخرجوا من الجامعة بين طبيب أسنان ومهندس في الإعلام الآلي إلى جانب المعلّمة وطبيبة الأطفال.. وغيرهم، مضيفة أنه رغم جهلها كانت تحرص على مواعيد مراجعتهم للدروس، بل وتتولى تحفيظهم إياها متظاهرة بفهم ما يعرض عليها، حتى أنهم لم يعرفوا أنها غير متعلمة إلا في فترة متقدمة من تمدرسهم.تقول محدثتنا: “لازمتني دائما حرقة تلقي العلم لتزداد حدتها حينما كنت أتردد على مسجد الحي وأرى نسوة مثلي يتلون القرآن قبل صلاة الجمعة أو خلال رمضان، في حين أكتفي أنا بالاستماع إليه فقط، حينها قررت تعلّم أبجديات اللغة العربية وكانت بداياتي بأقسام محو الأمية مع زميلات لي غالبيتهن من جاراتي وصديقاتي بالحي، واليوم بتّ أتلو القرآن بسلاسة وأحفظ عديد آياته”.وعن خالتي فضيلة قالت الآنسة رندة، خريجة كلية الشريعة ومرشدة دينية بأحد مساجد حي باب الوادي الشعبي، حيث تشرف على تعليم كبيرات السن، إن إرادتها من فولاذ “فتصوروا امرأة في السبعين لم تكن تفكّ حروف الكلمة الواحدة، تتحول في ظرف أشهر إلى حافظة لسور عديدة من كتاب الله..”، لتشير إلى أن إصرار مثل هؤلاء النسوة على حفظ القرآن هو تحدّ بالنسبة لهن ونتائجه دوما رائعة.خالتي حنيفة، 65 سنة، واحدة ممن أصررن على تعلّم القراءة وحفظ السور القرآنية، حدثتنا عن تجربتها قائلة: “كنت دوما أتمنى أن أحمل المصحف الشريف بين يدي وأنهل من سوره خاصة خلال أيام شهر الصيام، لكن جهلي حرمني مدة سنوات من هذه المتعة التي استجمعت لأجلها قواي بعد زواج أبنائي الأربعة، حيث تفرغت للعبادة ووضعت مسألة حفظ القرآن نصب أعيني، واليوم بتّ أقرأ آيات المصحف الشريف بسلاسة وتمكنت من حفظ عدد معتبر من السور القرآنية”.“طلع البدر” عوض الفاتحةمن طرائف ما سردته لنا الآنسة رندة أن إحداهن كانت تقرأ أنشودة “طلع البدر علينا” عوض الفاتحة في صلاتها، واستمر معها الحال طيلة سنوات، وحينما انضمت إلى قسمها وحاولت الآنسة رندة مساعدتها حتى تحفظ عن قلب سورة الفاتحة لتعتمدها في صلاتها عوض “طلع البدر علينا”، ردت عليها العجوز بعد محاولات حفظ حثيثة قائلة “نقصيلي فيها يا آنسة جاتني طويلة بزاف وما قدرتش نحفظها”، لتؤكد لنا محدثتنا أن مشكل الحفظ هو أكبر ما تلاقيه الراغبات في حفظ القرآن في سن متقدمة، حيث تمضي وقتا طويلا لتمكينهن من الحفظ، مؤكدة على أن المشكل يطرح خاصة عند الكبيرات في السن دون من بلغن الخمسين.مشكل آخر طرحته المرشدة الدينية ممثل في النطق السيئ للكلمات، مستشهدة بحادثة العجوز التي تعذّر عليها نطق كلمة “خسر” ضمن آية “والعصر إن الإنسان لفي خسر”، حيث كانت تردد “والعصر إن الإنسان لفي رخس”، “وكنت في كل مرة أصحّح لها الخطأ لتعاوده، لتجيبني حينما أصررت على التصحيح قائلة: وعلاه رانا رابحين، صح رانا في رخس” .كما استشهدت بحادثة العجوز التي أمضت وقتا طويلا في محاولة حفظ سورة الفجر، خاصة آية “وثمود الذين جابوا الصخر بالواد”، حيث كانت تردد دوما “وثمود الذين جابوا الحجر من الواد”.نقاط الحروف تعجزهننوادر أخرى روتها لنا المرشدة الدينية التي قالت إن ما يشجّعها على أداء واجبها تجاه هؤلاء النسوة اللواتي تعتبرهن تلاميذ من نوع خاص، هو إصرارهن الشديد على الحفظ مهما كانت الظروف واستعمالهن كل الطرق لتوصيل الرسالة بينهن وبين المعلّمة، مشيرة إلى نادرة وقفت عليها عند تعليم تلميذاتها المسنّات الحروف، حيث كن يتساءلن حينما يتعلق الأمر بحرف يحمل نقطا مثل حرف الباء أو الخاء مثلا قائلات “الشيخة النقطة نحطوها في كرش الحرف ولا في ظهروا”. وتلك نوادر عجائز أصررن رغم سنّهن المتقدم على حفظ ما تيسر من آيات الكتاب الحكيم الذي حرمن من قراءته وترتيله في الصغر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات