+ -

 بحساب المنطق والقانون، فقدت قضية “وزارة الاتصال ـ الخبر ـ ربراب”، طابع الاستعجال الذي يتمسك به المدعي، بسبب مرور أكثر من 37 يوما على رفع الدعوى في القضاء الاستعجالي. بعبارة أخرى، لو كانت مسألة تجميد صفقة بيع أسهم “الخبر” لشركة “ناس برود” مستعجلة لفصلت فيها المحكمة الإدارية منذ الجلسة الأولى التي جرت في 2 ماي الماضي، لصالح المدعي.ومن المؤكد أن القاضي الاستعجالي مهدي قوشيح، لن يفصل في الملف اليوم الذي سيفتح للمرة الخامسة، لأنه سيستمع لـ19 مساهما سابقا في “الخبر”، بناء على طلب وزارة الاتصال إدخالهم في النزاع. ما يعني أنه في حالة عدم إعلان القاضي اليوم بأن طابع الاستعجال لم يعد مطروحا، فسيبقى النزاع يحمل هذه الطبيعة فترة أخرى. والمتعارف عليه في النزاعات التي ترفع أمام المحاكم، أن الطرف المدعي مطالب بأن يثبت وجود الضرر، إذا رفع دعوى في الاستعجالي ضد شخص طبيعي أو معنوي. وفي الحالة التي تتعامل معها محكمة بئر مراد رايس، لم تشرح وزارة الاتصال الضرر الذي يلحق بالحكومة أو بالمجتمع، جراء الصفقة التي تمت بين مساهمي “الخبر”، والشركة التي هي فرع من “سيفيتال”.وبما أن وزارة الاتصال عجزت عن إثبات الضرر، راحت تبحث عن أي شيء لتعزيز الدعوى بعد أن ثار جدل حاد حول أهليتها لرفع القضية أمام العدالة، في ظل غياب الآلية المنصوص عليها في قانون الإعلام، وهي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. وأظهرت الوزارة تخبطا كبيرا في التعامل مع الدعوى التي صاغها محاموها. فتحت ضغط العجالة التي فرضتها الجهة التي أوعزت لوزير الاتصال، رفع دعوى، ارتكبت الوزارة خطأ فادحا بطلب إبطال عقد البيع، وتأكدت من ذلك لما تم تنبيه محاميها إلى أن القضاء الاستعجالي غير مختص في إبطال العقود.بعد هذا الخطأ غير المعقول من طرف محامين “متمرسين” على القانون، أدخل المدعي تغييرا على العريضة، فأصبح الطلب تجميد العقد وليس إبطاله. وحتى في هذه الحالة، هناك إجماع بين رجال القانون على أن القضاء الاستعجالي غير مختص في تجميد العقود. ثم تبين للمدعي أن العريضة ليست سليمة، لأن الدعوى رفعها في البداية ضد رئيس مجلس إدارة “الخبر”، على أساس أنه هو من عقد صفقة البيع، بينما الحقيقة أن مساهمي مجمع “الخبر” هم من باعوا فرادى، كل واحد بحسب عدد الأسهم التي يملكها وأراد بيعها. فتم إدخال تعديل على العريضة، بإقحام المساهمين في الخصومة.أما المادة 25 من قانون الإعلام (منع امتلاك شخص لأكثر من جريدة)، التي هي حجر الزاوية في القضية، فتطبيقها لا يستقيم في هذه الحالة لأن القانون يقول إن سلطة الضبط المستقلة عن الحكومة، هي من تتدخل في حال قدرت أن أي شيء يجري في قطاع الصحافة المكتوبة، مخالف للقانون. حول هذا الموضوع بالذات، صرح وزير الاتصال بأنه “لسنا بحاجة إلى سلطة ضبط”، بحجة أنها غير موجودة في بلدان أخرى. وفسر رجال قانون كلامه بأنه تطاول على القانون العضوي للإعلام، الذي اقترحته الحكومة وصادق عليه البرلمان وصدر في الجريدة الرسمية، وبالتالي أصبح مفروضا على الوزير السهر على تطبيقه، وأن يطلق ترتيبات إنشاء سلطة الضبط، لا التنكر لكيان اقترحته الحكومة التي ينتمي إليها !كل هذا التخبط من جانب وزارة الاتصال، أثبت أن الجهة التي أوعزت للوزير برفع الدعوى، تصرفت بدون العودة إلى القانون للتأكد مما إذا كان يسمح للحكومة بالتدخل في مسألة تتعلق بملك باعه أشخاص طبيعيون، لكيان معنوي. أو ربما أن هذه الجهة كانت متأكدة بأن القضاء الإداري لا يمكنه أن يفصل في غير مصلحة الحكومة، حتى لو كانت الدعوى غير سليمة قانونيا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: