+ -

 واهم في الجزائر من يظن أن العاصفة التي ضربت البلاد منذ ما يربو عن ست وعشرين سنة قد هدأت ولو نسبيا وأن الأسوأ قد مرّ، وأنه يكفينا إصلاح الزجاج الذي تهشّم والأبواب التي خلّعت وإعادة غرس الأشجار التي أُقتلعت.. وكنس الطرق وتزيين الواجهات، كما فعلنا ومازلنا نفعل على مدى سنوات، مازلنا في قلب العاصفة.تتهددنا أخطارها وتقلباتها، ومازلنا نبحر وسط بحر هائج ٍوضباب كثيف يزداد كثافة مع إصرار من يمسك بزمام الأمور على انتهاج الهرطقة السياسية في تسيير شؤون البلاد والعباد وتطبيق حلول الأمس على مشاكل اليوم. ولابد من الاعتراف أننا أمام وضع غير مسبوق، وأن الأخطار التي تواجه الجزائر ليست أخطارا وافدة علينا من الخارج، حاكتها دوائر التآمر ومطابخ السوء في باريس أو واشنطن، بقدر ما هي أخطار داخلية نتجت بفعل تراكم عقود من العبث السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. إننا كمن ينام على بركان نشط قد ينفجر في أي لحظة ولا يمكن لعاقل اتهام أعداء الوطن بأنهم من أوجدوا البركان.. اللهم إلا إذا كان العدو منا وفينا.نجاح الجزائر في القفز على ما سمي ”الربيع العربي” الذي تحوّل للأسف إلى فضيحة من نار وحديد، ليس معناه أننا بمنأى عن هذا الربيع وتداعياته، فالأوضاع الإقليمية والدولية ناهيك عن الوضع الداخلي المتأزم تدفع باتجاه التغيير الذي لا يمكن مقاومته بأي شكل من الأشكال، لذلك أمام القائمين على ما تبقى من الدولة فرصة عظيمة لتجنيب البلاد ما لا يحمد عقباه، وقطع الطريق على من يتربصون بها في الخفاء والعلن، والانتقال بها سلميا من دولة الأجهزة الأمنية والمؤسسات الصورية وطغمة الانتهازيين والفاسدين إلى دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان.يضرب لنا ربيع هذا العام موعدا مع اختبار مصيري، اختبار لنوايا ومدى استعداد من يحكموننا للتغيير، اختبارٌ تتمثل أحد أهم مراحله في فتح اللعبة الانتخابية على مصراعيها لتكون الإرادة الشعبية وليس سواها، هي الحكمُ وهي الفصل في رسم النظام الجديد وإلباسِه رداء الشرعية المفقود منذ فجر الاستقلال، وتأسيس الدولة المدنية المنشودة-والتي أصبح يتغنى بها من في نفسه حاجة- أم أن هذا الشعب يبقى في نظر السلطة قاصرا لا يعرف مصلحته، ولا يصلح إلا لترويج الأوهام والأكاذيب ولعبِ دور المعازيم في الأعراس الانتخابية!!أتمنى أن نجعله ربيعا جزائريا خالصا لنا وحدنا كجزائريين؟ نؤسس فيه لمرحلة ”لا انتقالية”، نبحث فيها عن علاجات جديدة وجدّية للأمراض التي ألمت بالدولة وتجذرت فيها.. مرحلة نطوي فيها صفحة الماضي بكل صراعاته العقيمة، ونضع فيها المستقبل صوب أعيننا ولا شيئ غير المستقبل. لا شيء يحصّننا مما هو قادم إلا سلوك هذا الطريق.ربما هناك من سيقول لي ”أنت من تتوهمين وتهرطقين”، أقول: فليكن، رغم كل شيء.. يحذوني الأمل كما يحذو الكثيرين من أبناء جيلي في جزائر جديدة، فلا شيء مستحيل، وربما استطعنا يوما ما أن نُسمع كلماتِنا من به صمم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات