38serv

+ -

يبدو أن حكام أبوظبي ماضون في استعداء الجزائر والإضرار بأمنها ومصالحها الاستراتيجية، ويصر هؤلاء، من خلال توالي انزلاقاتهم الخطيرة، على الدفع بالعلاقات الثنائية نحو القطيعة، فلم يعد التطاول والإضرار بالمصالح الوطنية داخليا وخارجيا خفيا أو "حديث جرائد"، بل أخذ طابعا علنيا.

تؤشر الممارسات العدائية لحكام أبو ظبي تجاه الجزائر، حكومة وشعبا، على أن العلاقات بين البلدين الشقيقين تتجه نحو المجهول، وقد لا يطول خيار ضبط النفس الذي تلتزم به الجزائر منذ فترة ليست بالقصيرة.

تثار عدة أسئلة حول دوافع الممارسات الإماراتية ضد الجزائر، فهناك تساؤلات حول طبيعة التعامل الرسمي المحتمل مع الانزلاقات الخطيرة التي يسلكها مسؤولون إماراتيون -على اختلاف وظائفهم ومواقعهم- تجاه الجزائر حكومة وشعبا، فمن خلال المعلومات المتواترة التي تفضح الأدوار المشينة للإماراتيين على مختلف الأصعدة، فإن جميع التوقعات تشير إلى أن الجهات المختصة ستجد نفسها مضطرة للرد إذا لم "يعد الأشقاء إلى رشدهم".

لقد تأكد أكثر من أي وقت مضى، لدى الدوائر الرسمية والإعلامية الوطنية، ارتباط مسؤولين إماراتيين بشكل مباشر بقضايا خطيرة تستهدف المصالح الحيوية للجزائر، منها التجسس داخليا وحدوديا، والضغط على دول شقيقة وصديقة قصد التشويش على علاقاتها مع الجزائر، بل اجتهدت أبوظبي في الاستثمار في أزمات الجيران والأفارقة من أجل مقايضة مواقفهم لجرهم نحو مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، في عمل معاكس تماما لمبادئ الجزائر وجهودها المناهضة للتغلغل "الإسرائيلي" في القارة.

الظاهر، من خلال ما يُتداول إعلاميا، أن درجة الاستياء من الأدوار الإماراتية بلغت مداها، ففي الآونة الأخيرة انخرطت أبوظبي في مسلسل استفزازي للجزائر، من خلال الاصطفاف المفضوح مع نظام المخزن، وتجهيزه بكل الوسائل من أجل إلحاق الأذى بالجزائر، واتضح ذلك جليا من خلال عدة معطيات تصدقها الوقائع المتتالية.

لم تنطلق التقارير الإعلامية المحلية عن وجود "تحركات مشبوهة" لملحق الدفاع بسفارة الإمارات العربية في الجزائر من دائرة التخمين أو من التكهنات، بل تصدقها أفعال وأقوال رسميين إماراتيين، فالاصطفاف وراء نظام المخزن ترجمته "هبة" الطائرات الحربية التي تقدمت بها أبوظبي إلى شركائها في التطبيع بالرباط مؤخرا، يضاف إليها معدات الجوسسة التي نشرها المغرب عبر حدوده مع بلادنا، والتي وجهت خصيصا للتجسس على مختلف الاتصالات الداخلية للجزائريين عبر الشريط الحدودي، فضلا عن الدعم الإماراتي المفضوح لأطروحة المغرب التوسعية، وأيضا الاحتلاليّة للصحراء الغربية على جميع الأصعدة.

ولم يتوقف مسلسل التآمر على الأمن القومي الجزائري عند هذا الحد، فقد كان مختبر "ذا سيتيزن لاب"، التابع لجامعة "تورونتو" الكندية والمختص في الأمن الإلكتروني، قد كشف شهر أفريل الماضي عن برنامج تجسس إسرائيلي جديد طورته شركة "كوادريم"، وتشغله الإمارات العربية المتحدة فوق أراضيها، موجه لاختراق هواتف المسؤولين والصحافيين في 10 دول، وهو النظام الذي "جادت" به أبوظبي على القصر الملكي بالمغرب.

وذهبت الإمارات بعيدا في دعمها العسكري لنظام المخزن، من خلال إقرار مسؤوليها بمنح 68 طائرة حربية متقدمة من نوع "ميراج 9000 داش 9"، مع قطع غيار وإمدادات الذخيرة كدعم مجاني لسباق التسلح المغربي، وهي الصفقة التي أذاعها الإعلام المغربي على نطاق واسع قبل أشهر، وتأكد مؤخرا بأن المخزن بدأ يتسلم هذا النوع من المقاتلات المتطورة.

وكانت الإمارات قد استقبلت خلال الأسابيع الماضية ضباطا وتقنيين مغاربة للخضوع إلى تكوين وتدريب على صيانة وقيادة هذا النوع من الطائرات القتالية متعددة الاستخدامات، وذات القدرات القتالية جو–جو وجو–بحر.

وحسبما تبرزه مواقع متخصصة، فإن هذا الأسطول الجوي الذي تحصلت عليه الإمارات من فرنسا قادر على حمل صواريخ جو–أرض، وصواريخ "كروز"، ومدعم برادار متعدد الوسائط، ونظام استهداف هدف متحرك، لرفع القدرات العسكرية لسلاح الجو المغربي.

يأتي ذلك بالتزامن مع نشر تقارير إعلامية مفصلة حول تحركات مريبة للملحق العسكري الإماراتي في الجزائر، والذي يحمل رتبة عقيد، وتصريحه أمام نظراء له من عدة دول أوروبية أنه "في حال نشوب حرب بين الجزائر والمغرب، فإن بلاده ستقف بكل إمكاناتها مع المغرب".

وقبل نحو عام لم توافق الإمارات، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الحالي، على مقترح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم مبعوثا أمميا إلى ليبيا، إذ نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن دبلوماسي أممي أن "الإمارات وحدها رفضت تعيين بوقادوم"، يضاف إلى كل ذلك تحذيرات رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة من الدور الإماراتي المشبوه في المنطقة ومحاولاتها الحثيثة للعب الخطير في العمق الاستراتيجي لبلادنا، وخاصة بمنطقة الساحل الإفريقي، وآخرها انقلاب النيجر.

للتذكير، فقد سبق لعبد القادر بن قرينة أن صرح أن "دولة خليجية وظيفية هي دائما وراء لعبة زرع الخلافات والفرقة في المنطقة"، وتحدث صاحب مبادرة التلاحم وتأمين المستقبل بما يؤكد أنه يقصد الإمارات العربية المتحدة، متهما مسؤوليها بالوقوف وراء الخلافات العربية، وبقيادة المشاريع التي تتناقض مع المبادئ الجزائرية وسياساتها في المنطقة، وغيرها من الاختراقات..

وفي الأيام الماضية، لم تكفّ الدولة الخليجية عن محاولات جر تونس إلى مسار معاد للجزائر وإقحامها كرها في خيار التطبيع مع إسرائيل، وتم ذلك من خلال زيارات مسؤول إماراتي عمل جاهدا على افتكاك موافقة رسمية تونسية للذهاب إلى تطبيع علاقاتها مع الكيان.. قبل أن يكسر الرئيس قيس سعيد الصمت الرسمي الأسبوع الماضي ويجدد رفضه القاطع لهذا الخيار الذي سبق أن وصفه بالخيانة.