طوبى للمرابطين، الخزي للمطبعين والنصر لغزة

38serv

+ -

أنهت الحرب التي تشنها إسرائيل على أهلنا في قطاع غزة الأبية، أسبوعها الأول بعد شهر كامل، مارست فيه قوات الاحتلال طيلة هذه المدة أبشع الجرائم، وأجبن الاعتداءات، وأفظع المجازر، باستعمال أسلحة محظورة ومحرّمة ضد آلاف المدنيين العٌزل، أغلبهم من فئة الأطفال والنساء والشيوخ، ارتقى منهم أكثر من عشرة آلاف شهيد إلى بارئهم، أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ومستبشرين بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وكيف لهم أن يخافوا أو يحزنوا رغم الجراح العميقة والآلام الشديدة، وهم يرون بشائر النصر تلوح، وفجر كسر القيود والأغلال بدأ يبزغ، في ظل بسالة المجاهدين، وثبات الأرض تحت أقدام المقاومين، وصمود مستميت من قبل عامة المواطنين، رغم سخاء السماء بأمطار من القنابل لا تكلّ ولا تمل، تقصفها طائرات العدو ليلا ونهار، غدوا وعشيّا، دون رحمة ولا رأفة ولا أخلاق، ولا التزام بالقوانين الدولية والإنسانية، أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

 والحقيقة أنه مهما كان مآل هذه الحرب التي لم تضع أوزارها بعد، إلا أنه يمكن القول وبشكل مسبق، بأن حماس وكتائب القسّام، ومن وراءهما كل سرايا وكتائب المقاومة في أرض الرباط، قد نجحت في تمريغ أنف الاحتلال، ودحض أكذوبة الجيش الذي لا يُقهر. فالتاريخ سيشهد وبكل وضوح ويقين، بأن يوم السبت السابع من أكتوبر الماضي، كرّس لمرحلة جديدة فرضها طوفان الأقصى، الذي وثّق صوتا وصورة، اجتياح مقاتلي المقاومة الفلسطينية داخل الخط الأخضر، أين سرحوا ورمحوا في مستوطنات حصينة في الغلاف، وقتلوا وغنموا، وعادوا بمئات الأسرى إلى مواقعهم في غزة سالمين معافين. كما سيكتب التاريخ بلون داكن، وعبارات مخزية، تخلي العرب عن قوميتهم العربية، والمسلمين عن انتمائهم الديني، بفعل تورطهم المفضوح في ترك بني صهيون يستفردون بإخوان لهم يتقاسمون معهم العرق والدين، استباحوا دماءهم وأعراضهم وأطفالهم، وشرّدوهم من منازلهم ومساجدهم وحتى مشافيهم، وهم يتفرجون في واقع الحقيقة المرّ والمخزي، على جرائم إنسانية لم تصوّر فظاعتها حتى سيناريوهات أفلام الخيال.

وعندما يخجلون على أنفسهم، يهرول زعماءهم لعقد قمة عربية وإسلامية طارئة بعد انقضاء 35 يوما من بداية حرب مجنونة ومسعورة، فتتمخض ويشتد مخاضها، لتلد في نهاية المطاف شجبا، واستهجانا، وتعبيرا عن قلق، ومخاوف من اتّساع رقعة الصراع في المنطقة.

 وسيكتب التاريخ أيضا، بأن أبناء العمومة، وإخوان العقيدة، لم يستطيعوا حتى فتح المعابر لإيصال المساعدات الإنسانية، ونجدة إخوانهم الغزّاويين بالماء والزاد والدواء والوقود، وكل ما يحتاجونه من أدنى مستلزمات الحياة، اللهمّ إلا مساعدات في شكل أكفان وأكياس باستيكية للم أشلاء المقصوفين المتناثرة هنا وهناك، تناغما مع صورة الموت بالجملة، الذي حوّل غزة إلى مقبرة جماعية يموت فيها المرابطون بأرضهم، الرافضون لتهجير قسري ونكبة جديدة، إثر القصف الهمجي ثارة، والجوع والعطش وانعدام التكفل الصحي ثارة أخرى، فأي خزي وأي عار بعد كل هذا الخزي والعار.

 ومع كل هذا الهوان وهذا التخاذل في نصرة قضية مركزية، لا يوجد أعدل ولا أنصف ولا أوضح منها، وفي ظل مجازر دموية شنيعة وغير مسبوقة . ذاكرة التاريخ ستبرز بأن علماء الأمة وهم ورثة الأنبياء والقاطرة التي يهتدي بها عوام الناس، لم يتوحّدوا في خندق جامع ضد جبهة الظلم والاستيطان، ولم يجمعوا الأمة في هذه النازلة الخطيرة التي تتربص بأغلى مقدساتها على صعيد النُصرة، ولم يقودوا الشعوب لهبة أشقاءهم وإخوانهم كواجب يحتّمه الدين ويفرضه الشارع، فاكتفى بعضهم بالدعاء، وإصدار البيانات، واصطدمت محاولات البعض الأخر في تحقيق الموقف المأمول بالفشل.

 سطور التاريخ لا تغفل وعناوينه لا تنسى، وستدوّن بحروف من ذهب هذه المرة، بأن بوليفيا الغريبة، التي تبعد مئات الأميال عن فلسطين، نصرت القضية العادلة لغزة وسكانها، ورفضت التفرّج على الإبادة الجماعية، والعقاب الشامل للمدنيين والعزل، فراحت تقطع كل علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، تعبيرا منها عن رفضها التواطؤ في هذه المذبحة الشنيعة والجريمة الإنسانية النكراء، ونفس الأمر حدت حدوه دول كولومبيا والشيلي، اللتين اتخذتا قرارا بسحب سفرائها إلى حين وقف إطلاق النار، والكف عن كل الاعتداءات الإبادية لآلة التقتيل الصهيونية.

بينما تظل بعض الدول العربية متشبثة ومصرة على التمسك بمشروع التطبيع مع الكيان الغاشم الملطخة يداه بدماء الأطفال.

 سيدوّن التاريخ بأن في هذه الحرب التي لا تزال تدور رحاها، تداعت كل دول الغرب وقوى الشرّ على غزة، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فحشدت في لمح البصر بوارجها، وغوّاصاتها، وأسلحتها، وجنودها، وضباطها، وقيادي نُخبها لمؤازرة إسرائيل في حربها غير المتكافئة مع كتائب تحمل أسلحة وقذائف تقليدية الصنع، تم تركيبها وتصميمها داخل الأنفاق في بطن الأرض، في حين تظل جيوش العرب والمسلمين قاطبة متسمّرة في أماكنها، رغم كثرة عددها، وضخامة عُدتها، ولكنه الوهن الذي أخبر عنه الصادق المصدوق.

 وسيعرّي التاريخ لاحقا وقد بدأ للتو، الإعلام الغربي المنافق الذي ينحاز للأقوى، ويساوي بين الجلاد والضحية، فيمارس عمدا مع سبق الإصرار والترصّد، التعتيم والتلفيق في حرب إعلامية موازية لقلب الحقائق وتزييف الوقائع، بينما يُغتال الصوت الحر، ويُستهدف بالقنابل والمدافع، فيسقط في ميدان الشرف عشرات الصحفيين، مع تركيز الاستهداف على ذويهم وأهاليهم لإثنائهم عن كشف الجرائم، وأداء مهامهم النبيلة الموسومة بخطر الموت المحقق إلى حين.

 هذه الحرب رغم آلامها وجراحها، ستكشف في صفحات التاريخ، بأن مجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة، لا يعدو أن يكون أداة في يد الأقوياء ضد الضعفاء، وبأن محكمة الجنايات الدولية لا تتحرك مطرقة قاضيها، ولا يستخدم ميزان عدالتها، إلا عندما يكون المتهم خارج دائرة إسرائيل، وبأن هيئات حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين وحقوق الطفل وحقوق المرأة لا تُفعّل عندما يكون هذا الإنسان، وهذا اللاجئ، وهذا الطفل، وهذه المرأة من غزة الأبية.

 وسيُظهر التاريخ وبشكل جلي وواضح، الفارق الشاسع بين العدوان الصهيوني الذي يهدّد أحد وزرائه برمي الغزّاويين بقنبلة نووية، ويغتصب الأرض، وينسف المساجد والكنائس، ويقصف المستشفيات، ويعذب الأسرى حتى القتل داخل زنزانات السجون في الظفة، بحجة الدفاع عن النفس والقضاء على الإرهاب.

وبين مقاومة تكافح عن أرضها ودينها ومسرى نبيها، نيابة عن أمة تجاوزت المليار، اثّاقلت إلى الأرض وقت النفير في سبيل الله، ومع كل ذلك، تحرص هذه المقاومة المحاصرة من الإخوة قبل الأعداء، على معاملة الأسرى معاملة الدين الإسلامي الحنيف، وما إخلاء سبيل بعض الأسرى المحتجزين المسنين، والأم ورضيعها في بداية عُمر الحرب الجارية، إلا دليل دامغ على ذلك أمام كاميرات وفضائيات العالم.

 التاريخ سيكتب ويوثّق عن هذه الحرب العادلة التي يقف معها أحرار العالم، بأن أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسّام، قد تحوّل إلى متنفّس الملايين من مكونات هذه الأمة المريضة، التي تداوي سقمها مؤقتا بمسكنات دك دبابات العدو، ومدرعاته، وجرّافاته وآلياته وحشوده، في انتظار نبأ تراجع الغزاة ودحرهم عن كل القطاع، فقد صدق أبو عبيدة في عبارته الشهيرة التي يختم بها تدخلاته ويحفظها عن ظهر قلب ملايين المتابعين، إنه لجهاد.

نصر أو استشهاد ، لكنا نعقب ونقول بأنه لدينا يقين جازم، بأن عاقبة الجهاد والاستشهاد .. النصر المبين من رب العالمين، فالله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

كلمات دلالية: