فرنسا فقدت "التوازن" في مواقفها إلى حد إدارة الظهر للإنسانية

+ -

استدعى مجلس الشيوخ الفرنسي، مدير الأخبار لوكالة الأنباء الفرنسية، لمساءلته حول عدم إطلاق الوكالة تسمية "إرهابية "على حركة حماس مثلما يفعل الرسميون الفرنسيون، وعن نقلها أعداد الضحايا من الفلسطينيين حسب الرواية التي تعلن عنها حركة حماس، كعتاب لها أنها تروّج

لـ "بروباغندا"، وكان رده في هذا الشأن، لأنها أرقام لا تختلف عما تعلنه أرقام الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. ويفهم من هذا الضغط السياسي والبرلماني الممارس على هذه الوسيلة الإعلامية، أن منشورات الوكالة لا يراد لها أن تكون حيادية، ولابد أن تسير في نفس خط الإعلام الفرنسي السمعي البصري الخاص والعمومي الذي أظهر ميله لـ"بروباغندا" الكيان المحتل وعدم ممارسته لأبجديات المهنة الإعلامية.

بدورها نظّمت الجمعية الوطنية الفرنسية، جلسة خاصة بمقرها لعرض ما تسمّيه فيديوهات صور ضحايا إسرائيل يوم 7 أكتوبر، وذلك في سياق الترويج للرواية الرسمية لجيش الاحتلال، خصوصا تلك التي قيلت بشأن الـ 40 طفلا نكّلت بهم حماس وكذّبتها فيما بعد كل وسائل الإعلام المستقلة الدولية. وهذه الخطوة التي تأتي بعد 39 يوما من القصف الوحشي الذي تتعرض له غزة والذي أدى إلى سقوط 5000 طفل فلسطيني ومثله من النساء والشيوخ المدنيين، لم تغيّر في الخط الذي رسمته رئيسة البرلمان الفرنسي التي أعلنت دعمها "اللامشروط" لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، لكن بالنسبة لنائب اليسار إيمريك كارون، الذي انتقد في تغريدة عدم توازن الموقف الرسمي الفرنسي مما يجري في غزة، قال عقب العرض للرواية الإسرائيلية حول هجوم 7 أكتوبر ، ما أقوله حقا "هذا فيلم قام بتجميعه الجيش الإسرائيلي، وهناك هدف وراء عرضه في الجمعية الوطنية. يجب أن نتمكّن الآن من مشاهدة فيلم حول ما يحدث الآن في غزة. كنواب، يجب أن تكون لدينا رؤية متوازنة للأحداث الجارية في الشرق الأوسط".

فهل جانب نائب اليسار الصواب عندما تحدّث "يجب أن تكون لدينا رؤية متوازنة للأحداث الجارية في الشرق الأوسط"؟

مقابل ترحيبها بعرض الفيلم الذي ركّبه الجيش الإسرائيلي، قرر رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، منع زيارة السيدة أبو دقة، عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لعرض فيلم "يلا غزة" يوم 9 نوفمبر المقبل بالجمعية الوطنية الفرنسية، وربما ضغطت أيضا من أجل طردها من فرنسا وترحيلها إلى مصر، وهو القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية الفرنسية رغم دخول الناشطة أبو دقة بشكل قانوني لفرنسا في نهاية شهر سبتمبر الماضي، وهو القرار الذي اعتبر انتهاك "بشكل خطير ومخالف بوضوح للقانون" في حق الناشطة الفلسطينية في "حرية التعبير وحرية الذهاب والإياب".

نفس رئيسة البرلمان قالت في تغريدة يوم 1 أكتوبر الماضي: "إننا نشهد تطهيرًا عرقيًا في ناغورنو كاراباخ، إنني أدين ذلك بشدة. يجب أن نعمل من أجل اللاجئين ونحمي أرمينيا التي تتعرض للتهديد. النظر أيضًا في جميع الخيارات، بما في ذلك العقوبات لضمان احترام أذربيجان للقانون"، لكن ما تعرّضت له أرمينيا لا مجال لمقارنته مع ما يحدث في غزة، باعتراف كل المنظمات الدولية، ومع ذلك لم نسمع رئيسة البرلمان الفرنسي تتفوّه بكلمة عن التصفية العرقية والتهجير القصري  للفلسطينيين.

كما كتبت في تغريدة على حسابها في تويتر يوم 28 سبتمبر "سنكون دائمًا هناك من أجل أوكرانيا، لا يمكن مناقشة هذا الدعم أو حسابه: إنه واجبنا كإنسانية، فلنعمل بلا كلل على ضمان احترام حق الشعوب في تقرير المصير"، مما يعني أن بين احتلال أوكرانيا واحتلال فلسطين، هناك كيل بمكيالين لم يستطع ماكرون ردم هوته في الموقف الفرنسي، إذ يعتبر الوحيد من الطبقة السياسية الفرنسية الذي التقى الجانب الفلسطيني محمود عباس، وهو ما جعل 10 سفراء فرنسيين يطلقون صفارات الإنذار بشأن هذا الإنحراف للدبلوماسية الفرنسية التي ظلت عبر كل رؤسائها السابقين تحافظ على شعرة توازنها، خصوصا في الأحداث بالشرق الأوسط.

 

كلمات دلالية: