فرنسا قطعت شعرة معاوية وفقدت قنوات الاتصال بالمنطقة

+ -

رغم أن الكثير من الرهائن المحتجزين لدى عناصر المقاومة الفلسطينية، يمتلكون الجنسية الفرنسية، غير أن المفاوضات بين حماس والكيان المحتل، مكّنت من الإفراج على رهائن من عدة جنسيات (أمريكية، روسية، تايلاندية ..)، دون أن يكون من بينهم فرنسيون لا في الدفعة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، وهو ما بدأ يرمي بثقله على باريس وما إن كان ذلك مؤشّر على قطعها شعرة تأثير دبلوماسيتها في المنطقة.

غداة شن الكيان المحتل حربه الوحشية ضد غزة وإعلان باريس دعمه "اللامشروط" لما أسمته حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، راسل 10 من سفراء فرنسا في منطقة الشرق الأوسط، قصر الإليزي ينذرون فيه بأن افتقاد الموقف الفرنسي "توازنه" السياسي والدبلوماسي من الصراع العربي الإسرائيلي، سيضرّ بالمصالح الفرنسية في المنطقة، وستكون له تداعيات مستقبلا، لكن ذلك التحذير يبدو أنه لم ينصت له، كما يجب ومر على مصالح وزارة كاترين كولونا مرور الكرام، بحيث قدمت هي الأخرى بمعية رئيسة البرلمان الفرنسي دعمها اللامشروط لحكومة نتانياهو في حربها على غزة، ولم تذكّر الأخير حتى بضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني.

ولم تكتف باريس فحسب بهذا الإنحياز في موقفها إزاء الوضع في غزة، بل عملت على حظر المسيرات المساندة للقضية الفلسطينية على أراضيها من قبل وزارة الداخلية، وانحازت وسائل إعلامها العمومية والخاصة بشكل مفضوح إلى جانب الرواية الإسرائيلية دون تمكين الطرف الفلسطيني من ذلك، بل طردت الناشطة الفلسطينية، مريم أبو دقة، من التراب الفرنسي رغم دخولها بطريقة قانونية، بحجة أنها تنتمي إلى الجبهة الشعبية المصنّفة من قبل الاتحاد الأوروبي "إرهابية".

وقد ترك هذا السلوك الفرنسي غير المسبوق، بعدما ظلت باريس تحافظ على شعرة علاقاتها بنفس المسافة مع مختلف الأطراف إزاء أزمة الشرق الأوسط، صدمة ليس لدى الفلسطينيين فحسب، بل على مستوى دول المنطقة، كالأردن ولبنان ومصر وسوريا، جراء اصطفاف فرنسا وراء الموقف الأمريكي وسعت حتى للمزايدة عليه، رغم سعي الرئيس إيمانويل ماكرون تدارك الموقف، من خلال زيارته إلى رام الله لمقابلة محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية وأيضا الأردن ومصر، للتخفيف من وطأة تصريحاته لدى لقائه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو وحكاية "توسيع التحالف ضد داعش".

وعندما تعلن حركة حماس الإفراج عن أحد المحتجزين من حملة الجنسية الروسية، بأنه جاء استجابة لطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتقديرا للموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية، ففي ذلك رسالة واضحة بأن المفاوضات بشأن إطلاق سراح المحتجزين من الجنسيات غير الإسرائيلية، يتم بصورة مدروسة وليس عشوائية. ولما تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إطلاق سراح محتجز من جنسية أمريكية، دون أن تتمكن باريس من تحقيق ذلك، رغم أن الكثير من المحتجزين لهم جنسية فرنسية، فهو مؤشر أن فرنسا فقدت قنوات الاتصال الفعالة في المنطقة وتراجع تأثيرها ومصداقيتها ووزنها في المنطقة، وهي التي كانت تربطها علاقات تاريخية وتملك عدة مفاتيح بالمنطقة.

ورغم أن المفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين والمساجين بين حماس والكيان المحتل، بوساطة قطرية مصرية وأمريكية، لا زالت متواصلة، غير أن فرنسا ظهرت في هذه المحطة المهمة بالنسبة للرأي العام الفرنسي، الغائب الأكبر ولا ثقل لها في كفة الميزان، وهو ما آثار حالة من القلق لدى ساسة باريس حول هذا التراجع غير المسبوق للدبلوماسية الفرنسية بعد ما وقع قبله في إفريقيا وفي طريقه ليتكرر في الشرق الأوسط.

 

كلمات دلالية: