هؤلاء المدربون "طردوا" من البطولة الوطنية

38serv

+ -

 من أصل أربعة منتخبات بلغت نصف نهائي كأس أمم إفريقيا الجارية حاليا بكوت ديفوار، اثنين منها يشرف على عارضتها الفنية مدرّبا سبق له العمل في البطولة الجزائرية، دون أن يحظى بنفس الدعم لإنجاح مشروع مغيّب أصلا.

وبقليل من الحظ، ربما، يمكن أن يشهد نهائي الطبعة الرابعة والثلاثين لكأس إفريقيا للأمم "حوار فنيا" بين مدربين أوروبيين مرّا على البطولة الجزائرية وغادراها بكثير من "قلة التقدير"، لِما يصر المسؤول "المحلي" على مستوى الأندية الجزائرية على جعل تعاقب المدربين في الموسم الواحد "علامة مسجلة" بامتياز، بل تقليدا معه يسقط أي مفهوم لمشروع رياضي، اعتقد، ربما، التقني الأجنبي، على أنه موجود في بطولة يستفيد فيها المسيّرون من دعم "غير مسبوق" من السلطات، على خلاف ما هو حاصل في عديد من البلدان الإفريقية، ليكتشف، في نهاية الأمر، أنه "اصطدم" بمعادلة معقدة، تجعل من المدرب "ورقة" لاستمالة الجماهير قبل بداية الموسم عند استقدامه، وتجعل منه كذلك "ورقة" لامتصاص غضب الجماهير عند بداية الموسم بإقالته.

في نصف نهائي "كان 2024"، يعود المدرب البلجيكي، هيغو بروس، إلى الواجهة، بإعادة منتخب "الأولاد" إلى الواجهة أيضا، فمنتخب جنوب إفريقيا، المتراجع منذ سنوات من حيث النتائج على المستوى القاري، هو اليوم بصدد إعادة إلى أذهان جماهيره إنجاز 1996 حين توّج بأول وآخر لقب له في تاريخ مشاركاته في نهائيات كأس أمم إفريقيا، وحدث ذلك سنة 1996 في أول مشاركة لـ"البافانا بافانا" في المنافسة القارية، عقب سقوط نظام التمييز العنصري "الأبارتايد"، وهي طبعة احتضنتها أيضا جنوب إفريقيا في عهد الرئيس الأسبق والمناضل نيلسون مانديلا.

 

رحلة استجمام رونار .. لقبين مع منتخبين مختلفين

 

وإذا كان المدرب البلجيكي هيغو بروس بصدد كتابة صفحة جديدة وجميلة أيضا في سيرته الذاتية بقيادته منتخب جنوب إفريقيا إلى المربع الذهبي بعد تأهل صعب على منتخب كاب فيردي، فهو يريد التتويج باللقب القاري مع جنوب إفريقيا وترك بصمته مثلما تركها مع منتخب الكامرون في 2017 حين أهدى "الأسود الجموحة" لقبا قاريا جديدا أمام منتخب مصر.

ويقترب المدرب البلجيكي بروس من معادلة رقم المدرب الفرنسي هيرفي رونار، المتوّج بلقبين إفريقيين مع منتخبين مختلفين في 2012 مع زامبيا وفي 2015 مع كوت ديفوار، كون كل الاحتمالات في نصف النهائي أمام نيجيريا واردة، قياسا بطابع المفاجآت الذي أضفى نكهة خاصة على "كان كوت ديفوار"، بينما لن يكون بمقدور المدرب بروس "إلغاء" مغامرته التعيسة من سيرته الذاتية التي تشهد إشرافه على ناديين في الجزائر، هما شبيبة القبائل ونصر حسين داي، دون أن يحظى بالدعم اللازم لتحقيق الأهداف المسطرة، أو على الأقل، لم يجد نفسه في نفس الظروف "الاحترافية" التي تسمح لأي مدرب ضمان نجاح أي مشروع رياضي.

وبالحديث عن المدرب الفرنسي، هيرفي رونار، على سبيل المقارنة، فإن الأخير يحتفظ في سجله كمدرب بحالة "الطرد" التي تعرّض لها في نادي اتحاد الجزائر من طرف المدير الفني الرياضي الأسبق، مولدي عيساوي، وقد كانت حجة "المسيّر المحلي" وقتها، أن "رونار" قدِم إلى الجزائر من أجل "البحر والشمس"، فغادر "الرجل" تلك "البيئة" التي تجعل "قسرا" من المدرب "مذنبا" ومن المسيّر "مظلوما"، عائدا إلى المنتخب الذي تألّق معه في تصفيات كأسي العالم وإفريقيا 2010 في مجموعة الجزائر، ونقصد به المنتخب الزامبي ليقوده إلى تحقيق أول لقب قاري في تاريخه، وحدث ذلك سنة 2012 في طبعة غابت عنها الجزائر أصلا، ثم أضاف رونار إنجازا آخر مع منتخب آخر، وهو منتخب كوت ديفوار سنة 2015، ليكتب صفحة رائعة من صفحات تاريخ المنافسة القارية جعلت اسمه "يلمع" أكثر بعد مغامرة لم تكن في النهاية من أجل الاستجمام، حتى أن الاتحاد الإيفواري لكرة القدم أراد "استعادته" لشهر فقط خلال "الكان"، بعد إقالة المدرب الفرنسي جون لويس غاسي بسبب الهزيمة المذلّة في الدور الأول أمام غينيا الإستوائية، غير أن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم رفض ذلك، كون رونار يشرف على المنتخب الفرنسي النسوي لكرة القدم.

 

فيلود يتألق أمام الجزائر وديسابر "يُطرَد" من الجزائر

 

ولأن الأمثلة كثرت وجعلت المدرب الأجنبي والمسير المحلي على طرفي نقيض في المعادلة التي تكشف المنافسة القارية جانبا من نتائجها وحقائقها، فقد حجز المدرب هيبرت فيلود مكانة في الدور الثاني مع منتخب بوركينا فاسو، وتجاوز الدور الأول في مجموعة ضمت المنتخب الجزائري وشهدت في النهاية تأهل كل منتخبات المجموعة الرابعة عدا المنتخب الجزائري.

ورغم أن خروج منتخب بوركينا فاسو، تحت قيادة فيلود، يعتبرا تراجعا لهذا المنتخب الذي بلغ نصف النهائي في 2022 وفي 2017 والنهائي في 2013، إلا أن المدرب الأسبق لأندية وفاق سطيف واتحاد الجزائر وشباب قسنطينة وشبيبة القبائل، خرج في ثمن النهائي أمام منتخب مالي القوي جدا، ونجح، بالمقابل، في إنهاء مباراته أمام المنتخب الجزائري، في دور المجموعات، بالتعادل 2/2، بعدما كان منتخب بوركينا فاسو متقدما في النتيجة 2/1 إلى غاية الوقت بدل الضائع من المباراة.

ولم يكن رحيل فيلود عن بعض الأندية الجزائرية "دون مشاكل"، كون الرجل طالب بمستحقاته بشكوى رفعها ضد شبيبة القبائل واتحاد الجزائر ووفاق سطيف، وهو ربما ما يحتفظ به أكثر من مغامرته مع الأندية الجزائرية.

وتستوقفنا المنافسة القارية ونتائج المنتخبات المشاركة فيها عند إنجاز منتخب جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي يعود إلى المربع الذهبي بعد تسع سنوات، كون المنتخب سبق له تنشيط نصف النهائي في طبعة 2015 بغينيا الإستوائية، ومن المفارقات أنه خسر تأشيرة المرور إلى النهائي أمام منتخب كوت ديفوار بنتيجة 1/3 وهو المنتخب الذي سيواجهه مرة أخرى في نفس الدور، واكتفى المنتخب الكونغولي، وقتها، بالمركز الثالث على حساب منتخب البلد المنظّم غينيا الإستوائية في المباراة الترتيبية، بينما يعود منتخب الكونغو الديمقراطية بطموحات كبيرة في بلوغ النهائي مع مدرب صنع الحدث وخطف الأضواء، ونعني به المدرب الفرنسي سيبياستيان ديسابر، الذي مرّ، بدوره، على البطولة الجزائرية، ولم يعمّر سوى جولتين في 2016، حين تمت إقالته من إدارة شبيبة الساورة بسبب "شكوك" في تفاوضه سرا مع المنتخب الزامبي.

 

غوركوف وحاليلوزيتش وشورمان وسعدان، رايفاتس .. أمثلة أخرى

 

عدوى التخلي عن الكفاءات طالت الاتحادية والمنتخبات الوطنية، بعدما "أخطأ" مسؤولها، محمد روراوة، التقدير بشأن عديد من المدربين الذين حققوا نجاحات واضحة وأعادوا "المنتخبات" إلى الواجهة.

وقد تم إبعاد رابح سعدان من "الخضر" سنة 1986 بعد مشوار متميّز للتأهل إلى مونديال مكسيكو، وعاد الرجل لينقذ المنتخب في "كان 2004"، وتم استبعاده، ليعود في 2007 والمنتخب قد انهار وغاب عن دورتي 2006 و2008، وصنع مجدا جديدا لـ"الخضر" على حساب "بطل إفريقيا" منتخب مصر في ملحمة أم درمان، وتأهّل المنتخب معه إلى مونديال جنوب إفريقيا بعد غياب دام 24 سنة، وتأهّل أيضا إلى "كان" أنغولا، وبلغ نصف النهائي وكانت وقتها أفضل نتيجة لـ"الخضر" منذ "كان" 1990، قبل أن يتم دفعه إلى الرحيل بعد مونديال جنوب إفريقيا بعد مجرد تعادل أمام تنزانيا.

وما قابل التأهل التاريخي إلى الدور الثاني للمنتخب الجزائري في المونديال البرازيلي، هو دفع المدرب البوسني وحيد حاليلوزيتش إلى عدم التجديد، فيما واجه "مكوّن" المدربين، كريستيان غوركوف "حملة غير بريئة" لدفعه إلى الرحيل، رغم أن المنتخب، تحت إشرافه، كان يقدّم في أداء راق، في حين مرّ المدرب السويسري، بيار أندري شورمان "مرور الكرام"، في نظر "الفاف"، وهو الذي قاد المنتخب الأولمبي الجزائري إلى نهائي "كان" 2015 للأولمبيين، ثم تأهل تاريخي إلى الأولمبياد في 2016، وكان ذلك ثاني مشاركة للمنتخب الجزائري في الألعاب الأولمبية بعد موسكو 1980.

وفي الوقت الذي بلغ فيه المدرب الصربي ميلوفان رايفاتس ربع نهائي مونديال جنوب إفريقيا في 2010 مع منتخب غانا وكان على وشك أن يصبح أول منتخب إفريقي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم، لولا إهدار غانا لضربة جزاء في الدقيقة 120 أمام الأوروغواي، فإنه (رايفاتس) لم يعمر سوى أربعة أشهر مع المنتخب الوطني الجزائري.

وحين استنجد به محمد روراوة، رئيس الفاف الأسبق لخلافة كريستيان غورغوف شهر جوان من سنة 2016، اضطر رايفاتس لترك منصبه في أكتوبر من نفس السنة بعد التعادل في الجولة الأولى من تصفيات كأس العالم 2018 أمام الكامرون، كون رئيس الاتحادية وقتها رضخ لضغوطات كوادر المنتخب الذين طالبوا برحيل رايفاتس، محملين المدرب المتألق في مونديال سابق مع غانا مسؤولية رهن حظوظ التأهل لمونديال جديد مع الجزائر.

 

المدرب المحلي ضحية المسير المحلي

 

فضائح التسيير المحلي للأندية الجزائرية الذي يرتكز على "صرف الأموال" تحت غطاء بعقود تضمن رواتب خرافية للاّعبين والمدربين، ويغيب عنها أي مشروع رياضي، طال أيضا المدرب المحلي الذي "انحنى" مضطرا وقبِل بالأمر الواقع من أجل "ربح المال"، كون كفاءات جزائرية في المجال التقني تركت بضمة خارج "بيئة" الفوضى، ونذكر منها المدرب الوطني الأسبق عبد الحق بن شيخة، صاحب الألقاب مع أندية من تونس والمغرب، ولقب كأس الكاف وكأس السوبر مع نهضة بركان ثم اتحاد الجزائر، وقد وجد بن شيخة نفسه مضطرا للمغادرة نحو "الأندية الأجنبية"، من بوابة نادي سيمبا التنزاني، بينما صنع المدرب الجزائري، عادل عمروش، لنفسه اسما كبيرا في القارة السمراء، وهو الذي أشرف على عديد من المنتخبات المصنّفة ضعيفة، ونجح في التألق مع معظمها، بدليل نجاحه في تأهيل منتخب تنزانيا إلى "كان" كوت ديفوار بجانب تقنيين جزائريين منحهم عمروش فرصة البروز وهم فؤاد بوعلي ولخضر عجالي ورضا عاصيمي، قبل أن يتم إنهاء مهامه بعد مباراة الجولة الأولى من دور المجموعات تحت ضغط مغربي واضح، لم يتقبل كشف المدرب الجزائري لحقيقة استعمال المغرب لنفوذه لتحقيق نتائج فنية بطريقة غير رياضية على حساب الأفارقة.

ويشهد التاريخ، أن رابح سعدان الذي اقترن اسمه مع عديد من النتائج المتميزة للكرة الجزائرية، تم إخراجه من الباب الضيق بعد مونديال مكسيكو سنة 1986، وعاد بعد ثلاث سنوات مع الرجاء البيضاوي المغربي، وينال كأس الأندية البطلة سنة 1989 على حساب مولودية وهران، فيما نال المدرب رشيد شرادي التقدير خلال تجربته في القارة السمراء مع أفريكا سبور الإيفواري ونادي بوجمبورا البورندي.

ميزة "التهام" المدربين من طرف مسيري الأندية الجزائرية بفرضهم "حالة اللا استقرار"، لم تؤثر فحسب على مردود البطولة الجزائرية، بل هي حالة شاذة وجب وضعها تحت المجهر لتشخيص داء الكرة الجزائرية التي اتضح من خلال "الأعراض" أنها وصلت إلى آخر مراحل العلاج، وهو "الكيّ".

 

كلمات دلالية: