آخر الأخبار

بوخيرت جورج

+ -

يمثّل نموذجا لرجال الأعمال الأوروبيين الذين اقتنعوا بعدالة القضية الجزائرية وراح يدافع عنها وينخرط في العمل الميداني بتموين الثورة الجزائرية بشحنات من السلاح ودفع حياته ثمنا لذلك، إنه صديق الثورة الجزائرية بوخيرت جورج PUCHERT Georg الملقّب بـ"الكابتن موريس".

ولد بوخيرت بسان بترسبورغ في أفريل 1915م، ينتمي إلى عائلة تمتلك أسطولا من السفن في لاتفيا بدول البلطيق.

بدأ مساره المهني في صفوف الجيش الألماني الذي غادره بعد نهاية الحرب الكونية الثانية واختار العودة إلى مهنة العائلة، بعد أن جمع ثروته من تجارة السجائر، حيث استقر على سواحل المتوسط وبالضبط بمدينة طنجة المغربية، حيث فضّل الاستثمار في مجال الصيد البحري من خلال إنشاء شركة تسمّى أسترامار Astramar.

أثناء تواجده بالمدينة عرفت شبكة التموين والتسليح التابعة للثورة الجزائرية نشاطه السابق في تموين المقاومين المغاربة بشحنات أسلحة، فتمّ الاتّصال به من أجل نفس المهمة لصالح الثورة الجزائرية فقبل بوخيرت العرض دون تردد بعد أن أقنعوه بعدالة القضية الجزائرية.

وانطلاقا من كونه يملك سفنا للصيد وسبق له التعامل في مجال التموين بالأسلحة أصبحت مهمّته الأساسية البحث عن الأسلحة وشراءها لفائدة جبهة التحرير الوطني بالتنسيق مع المجاهد عبد القادر يايسي ابن مدينة سيدي عيش بولاية بجاية، طالب بثانوية محمد القيرواني بسطيف ومناضل سابق في صفوف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بقيادة الراحل فرحات عباس قبل أن يلتحق بالثورة التحريرية ويستقر في فرانكفورت للتنسيق مع شبكات التموين بالسلاح، وقد استطاع بحنكته ودبلوماسيته ربط علاقات قويّة مع تجّار عاملين في مجال شراء السلاح المعترف به قانونا في ألمانيا ومن بينهم جورج بوخيرت الذي أصبح أحد الفاعلين في شبكة جبهة التحرير الوطني بألمانيا بداية من سنة 1957 وعن قناعة تامّة كما كان يقول.

في إطار مهمته انتقل بوخيرت إلى تونس والتقى العقيد كريم بلقاسم لتنسيق عمليات التزويد بالسلاح لصالح الثورة الجزائرية انطلاقا من ألمانيا وأوروبا الشرقية.

ولضمان نجاح عملية التموين بالسلاح ووصوله إلى سواحل المتوسط أسس بوخيرت شبكتين بمساعدة صديقين مقرّبين من الألمان، لكن زيادة نشاط الشبكة الألمانية لنقل السلاح جعلت المخابرات الفرنسية تكثّف من تحريّاتها حتى تمكّن جهاز الاستعلامات الخارجي ومكافحة التجسس (SDECE) من أن يكتشف نشاط جورج بوخيرت، فحاولت جاهدة إبعاده عن شبكات جبهة التحرير الوطني بمحاولة الإغراء أولا، إذ اقترحت عليه التعاون معها مقابل امتيازات، لكن هذا الأخير رفض بشدة عرض المخابرات الفرنسية.

هذا الرفض وزيادة نشاط شبكة تمويل الثورة بالسلاح انطلاقا من ألمانيا دفعا غي مولي ومصالح التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس (SDECE) إلى التحرّك السريع والمباشر مع استخدام العنف عند الحاجة لتحييد ممثلي جبهة التحرير الوطني ومؤيديهم السياسيين والإعلاميين من الأوروبيين واستعمال نفس الوسيلة لمنع أي حركة للسفن الناقلة للأسلحة أو المعدات العسكرية لصالح الثورة الجزائرية عن طريق القيام بعمليات قرصنة بحرية ضد السفن في عرض المحيط الأطلسي والبحر المتوسّط.

وفي عملية انتقامية سنة 1957، تمكّنت المخابرات الفرنسية من تفجير باخرتين من أسطوله وأصبح بوخيرت من بين المطلوبين لجهاز المخابرات الفرنسية والمنظمة الإرهابية "اليد الحمراء" التي كانت تتعقّب تحرّكات مساندي الثورة الجزائرية في أوروبا.

دبّرت هذه الأخيرة عملية اغتيال ضدّ بوخيرت عن طريق قنبلة مفخّخة وضعت تحت سيارته من نوع مرسيدس في شارع Lindenstrasse  رقم 03 بمدينة فرانكفورت الألمانية بتاريخ 3 مارس 1959، فبمجرد إدارة مفتاح السيارة انفجرت السيّارة وقتل جورج بوخيرت على الفور.

لكن عملية اغتيال بوخيرت قلبت السحر على الساحر فزاد تعاطف الألمان مع الثورة الجزائرية أكثر من قبل وعرفت العملية إدانة واسعة من طرف الرأي العام والصحافة.

لم يكن اغتيال جورج بوخيرت مجرد اغتيال لصديق للثورة الجزائرية ومموّل أسلحة بل اغتيال حلم كبير لمشروع استثماري في الجزائر المستقلة في مجال الصيد البحري وتربية المائيات ، مشروع ظل بوخيرت يحلم به ويخبر أصدقاءه الجزائريين بذلك في انتظار استعادة السيادة الوطنية لكن يد الإجرام كانت أسبق. وإن لم يتحقّق الحلم الأول فإن الحلم الثاني لبوخيرت قد تحقق ولو بعد سنوات، إذ تمّت عملية دفن رفاته في مقبرة العالية سنة 2006م والتي نقلت من ألمانيا من طرف رفاقه الجزائريين السابقين وبحضور ابنته تنفيذا لوصيته.