38serv

+ -

1- شهادة خضرة فايد (عموشة وأولاد عدوان)

الشاهدة خضرة فايد بنت لعبيدي، أرملة الطاهر قادم، من مواليد عام 1922م، بدوار أولاد فايد ببلدية عموشة ولاية سطيف، زرناها في مسكنها العائلي بحي الخربة (17 أكتوبر 1961م) بلدية أولاد عدوان، عقب صلاة الجمعة من يوم 12 جانفي 2018م، حيث وجدنا في استقبالنا أبناءها مصطفى ومحمد وحفيدها، بعد الترحيب وتبادل أطراف الحديث حول أخبار العائلة الكبيرة، سألناها إن كانت تتذكر جيدا أحداث ومجازر 08 ماي 1945م، فأجابتنا بأنها تتذكر بعض الشيء، ونسيت الكثير من التفاصيل، ومما ذكرته لنا أنها ما زالت تتذكر قدوم السيد مبروك ضيافات، المدعو العدواني (شهيد أثناء الثورة التحريرية)، على متن سيارته إلى دوار أولاد علي بأولاد عدوان مقر سكن زوجها، وهو ينادي إلى الجهاد، لتندلع الأحداث التي انتهت بمقتل عدد من سكان الدوار، وحرق كل المنازل ذات الأسطح المغطاة بالأعشاب أو القرميد التقليدي، ما عدا منزل عائلة زوجها الذي كان سقفه من القرميد العصري (الفرنسي) دون أن تتذكر لنا سبب هذا الاستثناء، كما تحدثت لنا عن الأوروبيين الذين قتلوا في أولاد عدوان والضيافات دون أن تذكر أسماءهم.

أما في دوار أولاد فايد بعموشة، فأخبرتنا أن والدها لعبيدي اضطر وبسبب وشاية المدعو(ب)، إلى الفرار عقب مقتل المستوطن "بريير" في مزرعة حامدي بوزيد حاليا (الفيرمة) والاختفاء بمدينة سطيف عند أخته الزهرة فايد، لمدة عشرين يوما، ولم يعد إلى مسكن العائلة، إلا بعد دفع مبلغ من المال للمستوطن "طوران"، كما اعتقل قريبها لخضر فايد، وحول إلى عين الكبيرة، وهو الآخر أطلق سراحه، بعد دفع مبلغ من المال للمستوطن المشار إليه آنفا. وفي المقابل أخبرتنا بأنها لن تنسى مجاعة تلك السنة، بسبب الجفاف وأسراب الجراد التي كانت تحجب السماء التي كانت لا ترى، حيث أتت على كل شيء، فحيثما توجه بصرك لا ترى إلا الأشجار العارية تماما من أوراقها، والحقول والمروج التي التهمت أعشابها تماما، ولم يبق منها إلا وجهها الترابي، ولسد الرمق وتجنب الموت جوعا كانوا يفتشون عن نبتة "تالغودة" في كل مكان، يصنعون منها الكسرة بعد تجفيفها وطحنها، ويأكلونها رغم طعمها المر، ولهذا كانوا يفضلون طهيها مع الكسكس، حيث يكون طعمها أحسن بعض الشيء. وتضيف أنه بسبب المجاعة، ازدهرت تجارة "تالغودة" على نطاق واسع، فقد كان الناس يبحثون عنها في كل مكان، يملؤون منها أكياسا كبيرة، في أولاد علي وأولاد عدوان ولعوامر وغيرها، ويبيعونها في عموشة، وقد بلغ الأمر بسكان دوار أولاد علي، حد الذهاب إلى أولاد صالح بوادي البارد، لجلب النبتة من أجل استهلاكها. ومما أفادتنا به الشاهدة أيضا أن عائلة زوجها كانت تملك مطمورة (مخزن) من الحبوب بالقرب من المسكن العائلي، لكنها لم تجرؤ على فتحها واستهلاك ما بها خوفا من أن ينكشف أمرها فتتعرض للسرقة، فتركت على حالها مدة طويلة، ولما فتحت فيما بعد، وجدوا أن كل ما بها قد أصابه التلف ولم يعد صالحا للاستهلاك. وعلاوة على ذلك، أكدت لنا أنه رغم المجاعة والضيق الشديد اللذان أصابا الناس، إلا أنه لم تسجل أي حالة وفاة بسبب الجوع.

كما اغتنمنا الفرصة وسألناها بخصوص طبيب المستعمرات المثير للجدل، النقيب في الجيش الفرنسي الدكتور مازوكا، الذي يمارس مهامه في عين الكبيرة، والذي أدى دورا أساسيا في القمع بعد الأحداث، وفي عمليات انتقامية من بعض المرضى حسب بعض الشهادات، أجابتنا بأنها عالجت عنده عدة مرات وشفيت تماما من المرض، وعدا ذلك فإنها لم تسمع شيئا عما قيل عنه من ممارسات تتعارض ومهمته كطبيب، هذا ما استطعنا افتكاكه منها من معلومات، فلم نشأ أن نرهقها أكثر، وهي التي ناهزت 96 سنة.

 

2- شهادة إسماعيل شلوش (الوادي البارد)

الشاهد إسماعيل شلوش المدعو صالح، ابن عاشور وبن داود فطيمة، من مواليد سنة 1929م بدوار وادي البارد، يتمتع بصحة جيدة وذاكرة قوية، التقينا به دون سابق معرفة، حيث سألناه عما بقي يتذكره من أحداث ومجازر 8 ماي 1945م، فذكر لنا أن لا أحد من سكان قريته بني ملله (وادي البارد) شارك من قريب أو من بعيد في مظاهرات 8 ماي 1945م، سواء في مدينة سطيف أو خراطة أو عموشة، ومع ذلك قام عناصر الجيش الفرنسي بقصف القرية بمدافع 105 انطلاقا من منطقة تيزمالين، فأحدث بها خرابا كبيرا، وبعد أن دخلوها أحرقوا ما تبقي منها، وقتلوا الحيوانات التي عثروا عليها، أما السكان ففروا إلى القمم الجبلية المجاورة في منطقة تاونيرث الواقعة بين بني فلكاي واغزر أوفتيس، ومعهم ما استطاعوا نقله من حيوانات ومتاع، حيث وجدوا بعض العائلات المستقرة هنالك مع مواشيها منذ مدة فيما يعرف بالعزيب.

أما بخصوص الضحايا ممن قتلوا فذكر أسماء: عيسى بن داود وقاسي بن داود وعبد الله بحري (قتل داخل الجامع) من وادي البارد، ومحمد يغدن وعمر شلوش وعمر بوغلوس من بني ملله، ومحمد بوهزيلة والسعيد بولمرج والسعيد لقديم من بني مسالي، محمد علاوة ولخضر دعيش وعقون اعزوزن بتهمة تخريب سد محطة الكهرباء، أما من ألقي عليهم القبض وسجنوا وحكم عليهم بأحكام مختلفة فهم: البشير شلوش (حكم عليه بتسعة أشهر سجن نافذا) وعبد الرحمان شلوش وعاشور شلوش (والد الشاهد إسماعيل) وعلي حمزة والسعيد حمزة والسعيد بولواطة، وعبد القادر لوصيف.

وقد أرجع الشاهد كل ما حدث في المنطقة من حرق وقتل إلى قايد خراطة المدعو بوسفود، الذي قدم معلومات كاذبة إلى السلطات العسكرية والمدنية الفرنسية، بغرض تصفية حساباته معهم من ناحية، وكرهه للجزائريين من ناحية أخرى، وقد اكتشفت –حسبه- الأمر بعد ذلك بمدة، وقد نال عقابه فيما بعد أثناء الثورة التحريرية إذ قتل هو وابنه.

واصل الشاهد حديثه قائلا "إن الظروف بعد الأحداث كانت صعبة للغاية، حيث عادوا إلى مقر إقامتهم، وأعادوا بناء مساكنهم المحروقة والمهدمة، واستأنفوا حياتهم البائسة والقاسية من جديد، فاضطروا من أجل سد الجوع إلى أكل ثمار البلوط وثمار أخرى كانت تفضل أكلها الخنازير البرية، وإلى الذهاب دوريا إلى مركز تيزي نبشار، لاستلام حصصهم من التموين الشهري المتمثل في القهوة والسكر والصابون والسميد.