78 عاما على الجريمة.. ولا نسيان

38serv

+ -

يستعد الشعب الجزائري لاستقبال الذكرى الثامنة والسبعين لمجازر 8 ماي 1945، مناسبة يستحضر فيها الشعب الجزائري صورا ومشاهد مرعبة من إنجاز آلة القمع الفرنسية في حق شعب أعزل سلاحه إرادته للتحرر من نير الاستعمار واسترجاع سيادته.

قرر الشعب بخراطة وسطيف وقالمة وغيرها من جميع جهات الوطن، أن يعري دعاة الحضارة والإنسانية ويكشف عشقهم للدماء وإيمانهم الراسخ بحب استعباد غيرهم والتصرف مع دعاة الحرية بكل وحشية. تعود "الخبر" عبر ملفها إلى هذه الصفحة المظلمة من تاريخ الاستعمار الفرنسي، لتعري بشاعته عبر شهادات من عايشوا الحدث وعانوا آلامه وتحتفظ ذاكرتهم بفظاعة الجريمة التي لن يمحوها الزمن، بالإضافة إلى إضاءات من أساتذة جامعيين اعتبروا مجازر 08 ماي بمثابة يوم الفصل مع الاستعمار والهزة الموقظة للأفكار الوطنية، كما طالبوا بضرورة إدراج ملف المجازر ضمن مطالب اللجنة الجزائرية للذاكرة في المفاوضات مع نظيرتها الفرنسية وبفتح الأرشيف الفرنسي السري المتعلق بالمجازر والأحداث من مختلف جوانبها، والذي لم يتح بعد للباحثين الجزائريين، ثم العمل للحصول على قوائم الشهداء والمفقودين وكذا قوائم المسؤولين عن المجازر والتجاوزات وكل أعمال القمع التي دامت أسابيع من شهر ماي 1945، ثم المطالبة بتعويض الضحايا.

تحتفظ ذاكرة العديد من الذين عاشوا المجازر التي ارتكبها المستعمر الفرنسي بوادي أقريون بخراطة عندما تغير لون الماء المتدفق إلى الأحمر القاني نتيجة الدماء التي سالت من العدد الهائل من الجثث المرمية في الوادي ومن فوق جسر حينوز، هذا الأخير يبقى شاهدا أبديا على بشاعة المستعمر الفرنسي وصور دماء الآلاف من الجزائريين التي سفكها المستعمر الفرنسي يوم طالبوه أن يوفي بوعده بمنحهم الحرية والاستقلال، ستبقى وصمة عار تطاردهم إلى الأبد.

 

حتى لا نرتكب جريمة النسيان

 

كلما حل تاريخ 8 ماي من كل عام، تتجدد آلام الجزائريين ويستحضرون خلالها فظاعة الجرائم الاستعمارية التي ارتكبت باسم الدولة الفرنسية، لتملأ السجل الإجرامي لجندهم وجيشهم، وحتى مواطنيهم الذين شاركوا في صناعة أبشع صور الوحشية واللاإنسانية، وتأبى ذاكرة الأمة اليوم أن تمحوها من أذهان وحتى من مخيلات من عايشوها وتحملوا ويلاتها.

كانوا قبل الأحداث يعرفون بصيادي الخنازير، ومع بداية الأحداث وبمجرد أن أتيحت لهم الفرصة تحولوا إلى صيادين للبشر، وتجردوا من إنسانيتهم المزيفة لينزلوا إلى مرتبة الوحوش الآدمية التي جعلت من الدم الجزائري المستباح، الهواء الذي يستنشقونه لتستمر حياتهم البائسة. وفيما خرس وعجز لسان المؤرخين عن إنصاف ضحايا مجازر 8 ماي وفشل السياسيون في انتزاع ولو اعتراف رسمي من الساسة الفرنسيين الذين لا يزالون يرفضون فكرة أن أسلافهم هم من ارتكبوا مثل هذه الجرائم التي تبقى وصمة عار في تاريخهم، تبقى معاناة الضحايا مستمرة وآلامهم متجددة.

بمدينة خراطة التي تحتضن الاحتفالات الرسمية المحلية لهذه المجزرة الفظيعة، لا تزال وحشيتها راسخة في أذهان من تحمل آلامها ويرفضون النسيان، رغم مرور 78 سنة على حدوثها، أسماء كثيرة لرجال ونساء من أبناء خراطة الذين يؤكدون أن أحداث 8 ماي 1945 مرت وكأنها لحظة قاسية، لكنهم لا يزالون يحتفظون بأدق التفاصيل حول بدايتها وتصاعد أحداثها، وكأنها وقعت بالأمس فقط، شهادات مثيرة يصعب على السامع أن يصدق حقيقتها. صور قيام شاحنات المعمرين بتفريغ الجثث بالمئات من أعلى جسر حينوز نحو أسفل وادي أقريون لا يمكن أن تمحوها الأيام، كما كان يقول الشاهد الأخير للمجازر المجاهد لحسن بخوش.

السلطات البلدية بالمناسبة، قررت إنجاز جدارية عملاقة بالمكان المسمى شعبة الآخرة، حيث يوجد جسر حينوز المقرر أن يتم تدشينها اليوم من طرف وزير المجاهدين وذوي الحقوق.

 

عمي سعيد يتحدث عن المجازر وكأنها وقعت بالأمس فقط

 

يقول عمي سعيد، أحد من عايش الأحداث بكل تفاصيلها بخراطة وعمره لم يكن يتجاوز عمره 13 سنة، أن ما حدث آنذاك قصة رعب حقيقية، حيث كانت بداية الأحداث يوم الاثنين 7 ماي 1945، لما اتفق عدد كبير من الشباب على استغلال نزول القرويين إلى السوق الأسبوعية بوسط المدينة، لدفعهم إلى التظاهر لمطالبة فرنسا بالوفاء بوعدها، الرسائل كانت تمر بشكل سريع بين القرى والمداشر والمشاتي والكل وكأنه ينتظر تلك اللحظة للتعبير عن تعلقه بوطنه واستقلاله، وفي اليوم الموالي 8 ماي 1945 استيقظ أغلب الناشطين على الساعة السادسة صباحا، وكانت أخبار التظاهر قد بلغت آذان "القياد" الذين سارعوا إلى إبلاغ الدرك الفرنسي وبمجرد اندلاع الشرارة الأولى بالسوق الأسبوعية وبداية الكر والفر، يقول عمي سعيد "رفعنا العلم الجزائري، وهتفنا بجزائر حرة مستقلة، وبحياة الحلفاء، طمعا في الاستقلال وكسب تأييدهم، لم تشارك في المسيرة سوى امرأة واحدة، تدعى بولغزوة محجوبة، كانت تطلق الزغاريد، حاول المنظمون تشكيل مربعات للمتظاهرين، لكن سماع الرصاص الكثيف حال دون ذلك"، ويضيف محدثنا وعيناه تغمرهما الدموع "سرعان ما انقلب الوضع، حيث خرج أحد المشاركين في المسيرة المدعو شيباني الخير عن الصف إلى الرصيف، ليطلق عليه قابض بريد خراطة آنذاك النار ليلفظ أنفاسه في عين المكان ويلوذ المجرم بالفرار نحو مكتبه ليحتمي فيه، ليكون الضحية أول شهيد لسلسلة مجازر خراطة، الأمر الذي أثار غضب المتظاهرين الذين قاموا بإضرام النار بواسطة البنزين في مركز البريد، نجا إثرها الفاعل". ويواصل عمي سعيد سرد شهادته "لكن الأوضاع لم تكن لتتوقف عند هذا الحد، حيث تدخلت قوات اللفيف الأجنبي لتبدأ في إطلاق الرصاص بشكل عشوائي على المتظاهرين من أجل ترهيبهم وتفريقهم، ولأن الشعب الجزائري الأعزل واجه الرصاص بصدر عار قتل الفرنسيون أكثر من 20 جزائريا في الساعة الأولى من بداية الأحداث".

وأمام انفلات الوضع، يقول عليك الذي يقع منزل عائلته في وسط خراطة "هربت رفقة إخوتي إلى المنزل، لكن ذات القوات لاحقتنا مع مترجم فرنسي معتمد من طرف القضاء، يدعى جورج فادلان، وقامت والدتي بإخفائي وراء صخرة صغيرة عند مدخل البيت، فيما كان والدي طريح الفراش، ليدخل أفراد القوات بعنف، ووقف والدي بصعوبة (عليك موسى) فأطلقوا عليه وابلا من الرصاص ليسقط شهيدا، بينما أخي المدعو علي لم ينتبهوا له بأنه حي، ليأتي دور والدتي (عكاش محجوبة) وأختي الصغرى التي كانت تحملها على ظهرها وعمرها لا يتجاوز 4 أشهر، ثم شقيقي سليمان 17 سنة وأختي الصغيرة 3 سنوات ولم يغادروا المكان، حتى أمر أحدهم بالمغادرة بالقول إنهم ماتوا جميعا.

 

شعبة الآخرة.. هناك تم رمي جثث الجزائريين

 

محدثنا الذي أبيد كل أفراد عائلته على مرأى عينيه ولم تكن له القوة للنظر في جثثهم، قرر الهرب رفقة شقيقه الذي نجا من المجزرة بأعجوبة، والسكان الذين كانوا يركضون في كل الاتجاهات، يقول "لنحتمي في الجبال".

ويضيف المجاهدان والمجاهدة صلاح فاطمة، "في اليوم الموالي ترسل إلينا الإدارة الفرنسية القياد بدعوى أن فرنسا عفت عنا، وكأننا ارتكبنا جرائم، لنتفاجأ بجنود عند مداخل القرى، يقومون بحشرنا في شاحنات عسكرية تحت الحراسة للزج بنا في ملعب خراطة الذي كان يضم على الأقل 4 آلاف شخص من شتى الأعمار ومن كل الدواوير المتاخمة، جرمونة، قلعون، بني مرعي ووسط خراطة، يضعون النساء والأطفال تحت الجسر، ويكبلون أغلبية الرجال والشبان بسلاسل من حديد ليصفوهم على حافة جسر شعبة الآخرة الذي وجدناه مليئا بالجثث، يلقون بـ4 إلى 5 شاحنات مملوءة بالبشر إلى أسفله دفعة واحدة أو بالدفع بأوامر ضابط من قوات اللفيف الأجنبي". يصف المشهد الرهيب شخص يدعى بخوش الذي كان من بين المصطفين على حافة الجسر "جاء دوري، ليتم إلقائي إلى أسفل النهر، لكن الضابط رفض إعطاء الأمر، فقرروا حبسي لصغر سني ولبنيتي الضعيفة، حيث لم أكن أتجاوز 16 سنة، ليقول لي فيما بعد أنه أنقذ حياتي، قبل أن يأتيني برغيف خبز جاف، ابتلعته في لحظات من شدة جوعي وهولي، ولتكون الآلة الاستعمارية لم تكن لترحم أحدا، فقد كانت عائلة محند أعراب حنوز، المساعد الطبي المنحدر من بني يعلى، إحدى العائلات التي تمت إبادتها، حيث كان الأخير رفقة أبنائه الثلاثة: حنافي، الطيب وعبد المجيد، أول الذين تم إلقاؤهم في شعبة الآخرة، بينما كان ابنه لوناس ضمن صفوف الجيش الفرنسي يحتفل في باريس بنصر الحلفاء، يقول هؤلاء. رحم الله الشهيد الحي بخوش الذي وافته المنية بعد أيام قليلة من تقديم شهاداته حول المجازر، حيث يعد من الناجين القلائل من مجزرة جسر حينوز بخراطة.

 

"الطائرات فوق رؤوسنا والجيش الفرنسي يطاردنا بالرشاشات"

 

قالت المجاهدة، صلاح فطيمة أرملة عمور، المنحدرة من قرية جرمونة بلدية خراطة بأنه رغم سنها الذي لم يكن يتجاوز آنذاك 15 سنة، "وسط الهول وبشاعة الجريمة المرتكبة ضد الإنسانية واصل المستعمر الفرنسي جرائمه في الدواوير والأرياف، فصوت الطائرات الصفراء لم ينقطع بتاتا، وإذا أتيحت لك الفرصة ونظرت إلى السماء، فلا ترى سوى الطائرات، وإذا تأخرت من الهروب نحو الأمام، فإنه يلتحق بك الجيش الفرنسي الذي يستعمل رشاشاته في كل الاتجاهات من دون أي رحمة وشفقة".

وأضافت المجاهدة فطيمة أن والدتها خرجت للبحث عن ابنها الذي هرب من المنزل خوفا من أصوات الطائرات، "لكن الوالدة وعلى بعد أمتار من المنزل سقطت أرضا، حيث أطلق عليها أحد أفراد الجيش الفرنسي وابلا من الرصاص ولفظت أنفاسها في عين المكان، وبقيت جثتها هامدة لمدة تتعدى عدة أيام، قبل أن يتم دفنها".
وحكت المجاهدة أنه "لم يجد الجنود الذين كانوا يحاصرونا بزي المدني وآخر رسمي وبالطائرات سوى أمرنا بالهتاف لحياة فرنسا والتصفيق وتكرار عبارة فليسقط مصالي الحاج وفرحات عباس، ولم يخلوا سبيلنا سوى بعد غروب الشمس"، مضيفة إن "القوات الفرنسية بقيت تواصل مجازرها على النحو نفسه لمدة 10 أيام متتالية، لتلقي بالخرسانة والإسمنت على الجثث التي انتشرت رائحتها في كل مكان استعدادا لرمي شاحنات أخرى، ولم تتوقف الجرائم عند هذا الحد، بل عملت ذات القوات على زرع الرعب في كل مكان، حرق المنازل، سلب الأغنام وحلى النساء، بل حتى الأغطية، وكل ما له ثمن، مجاعة، أمراض، نفترش الأرض وتغطينا السماء، ولم يكن نصيبنا من الشعير سوى 3 كلغ في الشهر"، حتى طريحي الفراش في مستشفى خراطة، لم يسلموا من بطش الجنود الذين أبادوهم، تقول المجاهدة صلاح فطيمة التي ما زالت تتذكر كل ما جرى من مجازر رغم تجاوز عمرها 88 سنة، "سنأكل أنعامكم ونقتلكم في ميدان الشرف احتفالا بنصرنا، هكذا كان يقول لنا الجنود".

وقد كان لتلك الأحداث أثرها البالغ فيما بعد في التحاق عدد من المجاهدين بثورة التحرير المظفرة، الذين صدمتهم للأبد المشاهد الوحشية والقمع الذي سلط على السكان الأبرياء الذين كان ذنبهم الوحيد يومها هو التعبير عن تعطشهم للحرية.

 

ميليشيات "صيادي الخنازير" تلهو بصيد رؤوس الجزائريين

 

لم تعد أحداث 1945 مجرد مظاهرة سلمية لشعب أعزل، بل هي جريمة إنسانية مكتملة الفصول سرعان ما تحولت إلى عملية انتقامية، امتدت على مدار قرابة الخمسة أشهر، وارتدى لأجلها عناصر الميليشيات لباس "صيادي الخنازير"، وقد حفظ هؤلاء كافة أساليب التعذيب العالمية، وابتكروا فيها بعد دخان مغارات جبال "الونشريس" في القرن التاسع عشر، حرق الجثث في "أفران الجير"، فعايش بسببها الشعب كل أنواع الإبادة، من قتل وجر بشاحنات الموت، والأهم من ذلك ما احتوته الطرقات والحقول من مشاهد مروعة، كانت وحدها رائحة تعفن الجثث تتحدث، وتعكس بشاعة المجزرة، والتي حاولت فرنسا طمسها عن الصحافة العالمية ولجان التحقيق، بأن عمدت إلى حرق الجثث في أفران الجير، وحتى الأشخاص أحياء ممن رفضوا الامتثال لأوامرها.

وكان الغلاة الفرنسيون يستمتعون بقتل الجزائريين الهاربين إلى الجبال وكأنهم أرانب، حيث يقول المجاهد بخوش أنه "كلما قتلوا واحدا احتسوا كمية من الخمر تعبيرا عن الفرحة بما حققوه".

 


جرائم إنسانية لطخت صفحات الحضارة الأوروبية

 

يجمع العديد من المؤرخين والأدباء والفلاسفة على أنه إن كان من حق في العالم أن يتحدث عن الإنسانية والحضارة والمدنية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات الجوفاء، فإن ذلك ممنوع على الساسة الفرنسيين الذين حولوا الجزائر إلى محرقة، حيث كان الغلاة الفرنسيون لا يترددون في القذف بجثث الجزائريين داخل أفران الجير أمام أعين بعضهم البعض، حتى لن يجرؤوا على مطالبة فرنسا بالاستقلال. ومن خلال شهادات من عايش الأحداث قصص رعب حقيقية يخفيها كل واحد تصلح أكثر كسيناريوهات لأفلام الرعب والخوف، فقطع رؤوس الجزائريين كان مباحا، وإطلاق الرصاص على الأطفال والعجزة ليس جرما، ومطاردة العزل إلى القمم الجبلية تحولت إلى لعبة مسلية، الدماء والدموع اختلطت بالأرض لتصنع مزيجا فولاذيا يدك أركان الوجود الاستعماري، وهذا الأمر الذي أرعب المعمرين الذين أخذوا السلاح وقتلوا الجزائريين في خراطة وسطيف وقالمة وغيرها من المدن الجزائرية بكل برودة دم.

ومن بين الحقائق التي يتفق عليها الباحثون والمؤرخون تواصل القتل على مدار شهور ماي، جوان وجويلية، ولم يتوقف حتى شهر سبتمبر، ولجوء الجيش الفرنسي مدعوما بالمعمرين لاستئجار "شاحنات الموت" لنقل "الأهالي" إلى مختلف البلديات والمداشر والدواوير وجمع المواطنين وإعدامهم سواء بالرمي من أعالي الجسور والكهوف أو بدفن الأحياء، بالإضافة إلى التعذيب الوحشي، ثم القتل والجر بالشاحنات والشنق وبقر بطون النساء الحوامل وتطبيق المحرقة.

 

تعفّن الجثث في الحقول أوقف استمرار الإبادة

 

تفيد شهادات أبناء خراطة أنه منذ اليوم الثالث من الأحداث والذي يتزامن مع وصول الإمداد العسكري وتوزيع السلاح على المعمرين، تحول الموت إلى بديهية عند الفرنسيين الذين كانوا يهدفون إلى إبادة سكان خراطة وهو ما كان يردده المعمرون في أي مكان ينزل رعبهم "لا تتركوا أثرا لعربي على الأرض اقتلوهم حيث وجدتموهم"، كانت الجثث مترامية في كل مكان وروائح الجثث المتعفنة تنبعث إلى مسافات بعيدة، بل أضحت تهدد حتى المجرمين في حياتهم، الأمر الذي دفعهم إلى وقف القتل العشوائي وتغيير طريقة إبادة الجزائريين، حيث انتقل الموت من جبال خراطة لا سيما شعبة الآخرة، حيث كانت الشاحنات تفرغ الجثث التي تم جمعها بمختلف الشوارع والأحياء وتحويل الوادي إلى مفرغة لجثث الضحايا.

سكان خراطة الذين لم يعودوا يهتموا بالخطابات السياسية المطالبة فرنسا بالاعتذار، يصرون على المطالبة برد الاعتبار لقتلى أحداث 8 ماي وتصنيفهم ضمن شهداء الوطن، ويقولون إن التضحيات التي قدموها في سبيل الحرية والوطن لا تقل شيئا عن باقي التضحيات الأخرى، حيث ورغم مرور أزيد من سبعين سنة على حدوثها لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم وضحاياها حرموا من التعويض، ما قد يخفف عنهم آلامهم وأحزانهم. المحرومون يؤكدون أن أرواح الشهداء لا تزال حائمة في سماء خراطة وأنينهم لا يزال يتردد في مسامع الناس ونسيان كل ما وقع أصبح أمرا مستحيلا.

 

ملعب ملبو... شاهد آخر على فظاعة المجازر

 

22 ماي 1945 تاريخ آخر تأبى الذاكرة الجماعية لمنطقة بجاية أن تمحوه، إنه صفحة أخرى من السجل الإجرامي لفرنسا الاستعمارية، حيث بمجرد أن سيطرت القوات الفرنسية على منطقة خراطة وضواحيها عن طريق القتل الوحشي، انتقلت آلة الرعب إلى مدينة ملبو، حيث وبمساعدة الخونة من القياد والمقربين من فرنسا، تمكنت قوات الجيش الفرنسي من مطاردة جميع المشاركين والمدعمين للانتفاضة وحشرهم داخل شاحنات القمامة ونقلهم إلى ملعب المدينة، حيث حاصرهم العشرات من الجنود الفرنسيين وأمطروهم بوابل من الرصاص من كل الجهات، لتنتهي المجزرة بإعدام أزيد من 2700 شهيد قبل أن تأمر قوات اللفيف الأجنبي مواطنين آخرين بدفنهم في أماكن متفرقة، حيث استغرقت عملية إخراج الجثث من داخل الملعب أزيد من عشرين يوما.

 

مديرية التربية تعيش الحدث

 

وحتى لا تنسى الأجيال الحالية ما فعلته فرنسا الاستعمارية ومحاولتها إبادة الكلية للجزائريين ولاستحضار مشاهد الرعب التي عاشها أسلافهم بمنطقة خراطة بدرجة خاصة، سطرت مديرية التربية لولاية بجاية برنامجا خاصا تمثل في إنجاز عدة جداريات من طرف التلاميذ على مستوى المؤسسات التربوية حتى تخلد الذكرى ونشاطات أخرى فنية وعلمية وأدبية حتى تتوافق وشعار الحدث "ذاكرة الأمة.. مسيرة البناء"، حيث أكد مصدر من مديرية التربية أن كل المؤسسات التربوية ستعيش الحدث كل بطريقتها الخاصة، نشاطات غايتها رفع الستار عن تلك الجرائم اللاإنسانية التي تبقى وصمة عار تلطخ تاريخ حضارة أوروبا وتشوه سمعة فرنسا التي تتغنى بالحضارة والحرية.