38serv

+ -

عندما التحقت بجريدة "الخبر" مع نهاية العام 1992، كانت الجريدة في بداية العمر، يضع مؤسسوها ومنتسبوها اللبنات الأولى لصرح إعلامي كبير وشامخ، أثبتت الأيام والأحداث والمعارك والهزات القوية والارتدادية أيضا، صلابة ومتانة أساساتها، استمدها من الإسمنت المسلح وقوة قرائها.

مع تطور الأحداث، وتعاقب الأشهر وتعدد المحطات المفصلية، كان الفريق المؤطر لتحرير وتسيير وإدارة "الخبر"، يساير الأوضاع ولا يتأخر في البحث عن "الجديد" دوما لمسايرة تطور المجتمع الجزائري وانشغالاته وهمومه، وأيضا تصوراته لغد أحسن وأفضل، في جو من الحرية والأمن والرفاهية.. في هذه الأثناء، وفي قرار جريء، تقرر "الاستقلال" بقسم يهتم، حصريا، بمشاكل وانشغالات المواطنين في الجزائر العميقة.. قسم مستقل عن القسم الوطني، الذي تفرغ صحفيوه للشأن السياسي والأمني الطاغي، يومذاك، على الأحداث، ولأنه كان الإحساس بالواجب تجاه القراء بنقل انشغالاتهم وإسماع أنينهم وآلامهم في صلب عقيدة منتسبي "الخبر"، تقرر استحداث قسم تحت مسمى "الجزائر العميقة"، برئيس للقسم وعدد من الصحفيين، كنت واحدا ممن اختاروا هذا الركن، كونه في تماس دائم مع المواطن.

 

البدايات والمآلات

 

مباشرة بعد هيكلة القسم، بدأ البحث عن تشكيل كتيبة أو فيلق لخوض تجربة (تخصص الإعلام الجواري)، وهو الذي لم نكن نسمع عنه، لا حتى في مراجع البحث الأكاديمي، فكانت الانطلاقة، وشهرا بعد شهر بدأت شبكة مراسلي "الجزائر العميقة" تتسع وتتوسع، فكبرت من فرقة وسرية وفيلق إلى أن أصبحت لواء مدرعا، يحمل جنوده سلاح قلمهم، وتراهم منتشرين في "غياهب" الجزائر العميقة، لم يثنهم عن أداء واجبهم الإعلامي لا تهديد إرهابي ولا تهديد إداري ولا حتى صعوبة التضاريس والطرقات المهترئة، ومعها قلة وسائل النقل، فمن الزملاء "جنود العميقة" (مثلما كنا نسميهم) من كان يتنقل إلى نقاط بعيدة جدا في بعض الولايات على الأحمرة والبغال، ليعيشوا اللحظة مع سكان الجزائر العميقة حقا، وليعودوا بعدها بتقارير وصور حاملة لغبن عقود من التهميش والإقصاء والعيش على الهامش، بعيدا عن أعين المسؤولين، وبعيدا عن التنمية التي لا يعرف معناها إلا النزر القليل.

 

"الجزائر العميقة".. منبر من لا منبر له

 

ومع تعاقب الأيام، ومع توسع شبكة مراسلي "الخبر" في الجزائر العميقة، ولد شعار رصعه الزملاء على صدورهم وعلى جبينهم، شعار: "الخبر".. منبر من لا منبر له، فكان المنبر الفضاء الذي يتنفس من خلاله جزائريون لم يذوقوا طعم الاستقلال، جزائريون لا يزالون يضيئون أكواخهم بالشموع، ويتدفأون ويطهون بالخشب، وتلاميذ يقطعون مئات الأمتار على ظهور الأحمرة للوصول إلى مؤسساتهم التربوية، والأوفر منهم حظا من يجد خبزا يابسا يسد به رمقه، وما إلى ذلك من صور البؤس والحرمان.

ظلت "الخبر" ومنتسبوها، وكلهم من أبناء "الجزائر العميقة"، ترفع سقف التحدي عاليا، مثلما ترفع وتدافع عن مبادئ وضعتها أساسا لخطها الافتتاحي بنقل الحقيقة وصور الواقع مهما كانت مؤلمة، من منطلق أن ذلك من صميم مهامها، واستطاعت في سياق هذا المبدأ إيصال مشاكل الناس إلى من هم مسؤولون عنهم، واستطاعت بوجود النية الصادقة حل آلاف المشاكل والانشغالات، فوصل الغاز الطبيعي إلى أعلى قمم الجبال، مثلما وصلت الحافلة بعد أن عبدت الطريق، ووصل معها أيضا الطبيب والممرض، والأستاذ لتعليم أبناء الجزائر العميقة، وبقيت "الخبر" أيضا وفية لهذا المبدأ العقيدة، وواصلت وتواصل "تسليط الضوء" على ما بات يسمى "مناطق الظل"، لترافق أنين الناس هناك مثلما ترافق المجهودات التي تقوم بها السلطات.