“أهميـــــــــة فلسطيـن لا يجهلها إلا غبــي بليــــد”

38serv

+ -

رغم أن الجزائر كانت محتلة منذ 1830م، وعند قيام الكيان الصهيوني في فلسطين سنة 1948م، كان قد مضى على احتلال الجزائر أكثر من قرن كامل، فإن الجزائريين ورغم أوضاعهم الصعبة تحت نير المحتل الفرنسي لم يتوانوا أو يتأخروا في دعم أشقائهم الفلسطينيين ماديا ومعنويا، متى توفرت الفرصة، مدركين أن تحرر فلسطين هو تحرر للجزائر ذاتها، وأن جبهات الجهاد في الجزائر أو فلسطين هي جبهة واحدة وضد محتل واحد تستوجب الدعم والتأييد والحشد ماديا ومعنويا.

وإن أبرز من وقف مع فلسطين هم علماء الأمة ورموز إصلاحها، وكانت فلسطين على رأس مشاريع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ نشأتها سنة 1931م.

ومن أشهر وأول من كتب كثيرا عن يهود الجزائر وفلسطين، وفضح نشاطات الصهيونية مشرقا ومغربا آنذاك، أحد أعمدة الصحافة الجزائرية، الصحفي “عمر راسم” من خلال مقالاته في العديد من صحف وجرائد تلك المرحلة.  لقد نشر عمر راسم عدة مقالات حول القضية الفلسطينية ورصد نشاطات اليهود الصهاينة لتأسيس دولتهم في فلسطين. وهو يعتبر بذلك من المثقفين والكتاب العرب الأوائل الذين كانت لهم رؤية ثاقبة وبعد النظر ويقظة دائمة واطلاع واسع على الصحافة العالمية واستشراف دقيق للمستقبل العربي. وقد تنبأ مبكرا لنشاط وخطر الحركة الصهيونية من أجل جمع شتات اليهود من كل أنحاء العالم واستقدامهم إلى فلسطين، وبذلك نفى مبكرا إمكانية أي حلول سلمية أو تسويات مع اليهود يمكن أن تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وفلسطين العربية المسلمة باعتبار أن ذلك يشكل تنازلا واضحا عن فلسطين العربية المسلمة لأي طرف كان.

أدرك عمر راسم المخططات التي تهدف إليها الحركة الصهيونية في فلسطين، ودعا لمقاومتها، فنشر مقالات في الجريدتين التونسيتين “المرشد” و”مرشد الأمة”، داعيا من خلالهما الأمة العربية للإسراع في القضاء عليهم، مبينا أخطارهم على الأمة العربية.

وموقف عمر راسم تجاه اليهود كان نابعا من معايشته لهم حيث عرف مكرهم وخدعهم منذ عهد مصطفى باشا، فاحتكروا التجارة ووصفهم بقوله “اليهود أمة قاسية القلب، لا يلذ لهم عيش، ولا تطيب لها حياة إلا بإذايتها لغيرها فعلا، فإن لم تستطع فلسانا، ولو أردت سرد ما رأيته بعيني، وسمعته بأذني مما يؤذون به أمتي بل والمستعمرين في بلادي ومكرهم ومكائدهم التي يقومون بها طبق طباعهم ومبادئهم، وهذا لا ينكر ولا يمكن رفضه لأن جميع الأحزاب حتى الاشتراكي والفوضوي وغيرها يعترفون بذلك... وما يهود الجزائر بالنسبة ليهود أوروبا وأمريكا إلا ضعفاء، فقراء، جهلاء، ومع هذا فإنهم يقومون بما تعجز عنهم أكابر السياسيين، وذلك لارتباطهم مع أبناء جنسهم المقيمين في البلاد المتمدنة المتكلين عنهم عند الحاجة”.

تألّم عمر راسم كثيرا من تقاعس المسلمين وتخاذلهم تجاه هذه القضية وعدم أخذها بجدية، حيث اعتبر هذا التراخي جريمة في حق الفلسطينيين لا يغتفر، فقال “أهمية فلسطين التي غفلوا عليها لا يجهلها إلا غبي بليد، ولم يقاومها إلا نذل جبان عنيد...”.