العرب اليوم وأحداث ساقية سيدي يوسف!

38serv

+ -

أحداث ساقية سيدي يوسف محطة من المحطات المشرقة في تاريخ الشعبين الجزائري والتونسي، ونبراس مضيء للشعوب المؤمنة بالتاريخ المشترك ووحدة المصير، أحداث ساقية سيدي يوسف اختلط فيها الدم الجزائري والتونسي نصرة لكفاح الشعب الجزائري من أجل تقرير مصيره والاستقلال، وعكست تلاحم الشعبين في أوقات الشدة والامتحانات المصيرية التي أسقطت المخططات الاستعمارية.

لقد كانت أحداث ساقية سيدي يوسف وستظل محطة لامعة من محطات التضامن والتلاحم بين الشعوب العربية في أوقات الشدة، يومها دفع التونسيون ثمن وقوفهم مع الشعب الجزائري وكفاحه في لعب دور كبير لضمان وصول التموين اللوجستي للثورة. ولم تكن أحداث ساقية سيدي يوسف فقط نتيجة لتغول وبربرية الاحتلال، واستهدافه لتجمع بشري لجزائريين وتونسيين على الحدود بين البلدين، بل حمل رمزية كبيرة وعميقة في طياتها الكثير من العبر والدروس التي يحفل بها تاريخ الأمة في التعاضد والتآزر وقت المحن، والتي أملاها الوعي بأن هناك ماضيا وحاضرا ومستقبلا مشتركا.

فقد امتزج في ساقية سيدي يوسف الدم الجزائري والتونسي على الحدود بين البلدين، عاكسا وعيا لدى الشعوب والمسؤولين في البلدين، وزاد من عزيمة مواصلة النضال والكفاح المشترك في وجه المستعمر، وفوتت الفرصة على الاحتلال الذي كان يسعى، من خلال استهدافه للمواطنين العزل، إحداث الشرخ بين الشعبين التونسي والجزائري، أملا في قطع شبكات الدعم والإسناد للثورة الجزائرية التي كانت في عامها الثالث بغية خنقها.

ولم تكن تلك الأحداث الاستثناء في تلك الحقبة، فقد كانت حلقة من حلقات التضامن مع الشعب الجزائري وثورته في كل المنطقة من تونس، مرورا عبر دول الساحل، وصولا إلى المغرب، وفي المقابل كان للثورة الجزائرية الفضل في منح شعوب المنطقة وباقي دول إفريقيا الاستقلال، بل أكثر من ذلك، فقد ساهم قادة الثورة الجزائرية في تنظيم وتأطير حركات التحرر في عز ثورة التحرير كما كان عليه الحال مع المغرب وجنوب إفريقيا.

ويتزامن تخليد ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف مع أوضاع عاصفة تمر بها المنطقة العربية، وعلى رأسها العدوان الصهيوني على غزة، وأيضا أحداث مؤلمة تهز أركان عدة دول عربية وتضع مصيرها ووحدتها واستقرارها على كف عفريت، على غرار ما يعيشه السودان وليبيا وسوريا واليمن والصومال.

إن الاحداث الأليمة التي تعيشها هذه الدول العربية تحركها يد قوى استعمارية تسعى لإبقاء سيطرتها على الشعوب العربية ومقدراتها، لكن المختلف اليوم أن مخططات إبقاء يد الاستعمار على رقبة الشعوب العربية وتقسيم دولها وتفتيتها وإضعافها يضطلع بتنفيذها دول عربية وضعت نفسها في خدمة الدول والقوى الاستعمارية.

يسجل التاريخ في صفحاته، ولا يزال، كيف تقف الدول الغربية التي يجمع أغلبَها ماضٍ استعماري إلى جنب بعضها البعض في تنفيذ أجنداتها الاستعمارية، فالعالم يذكر كيف دعم الحلف الأطلسي الاستعمار الفرنسي عسكريا وماليا، وأيضا في المحافل الدولية وبالأمم المتحدة، وكيف دعمت الدول الغربية الكيان الصهيوني في فلسطين، والولايات المتحدة في الحروب التي قادتها في العراق وليبيا وأفغانستان واليمن.

في المقابل، يسجل التاريخ أيضا في الفضاء العربي كيف أصبحت دول عربية تساهم في إراقة دم شعوب عربية خدمة لأجندات خارجية في إطار لعبها أدوارا وظيفية، ترمي لإضعاف واستنزاف مقدرات دول لأنها تمتلك سيادة القرار واستقلاله.

إن ما نعيشه اليوم من تحديات يجعلنا نستذكر المحطات التي عكست تضامن وتلاحم الشعوب العربية، ولعل أحداث ساقية سيدي يوسف إحدى هذه المحطات المشرفة في تاريخ الشعوب العربية، وتجعلنا نتساءل: أين العرب اليوم من أحداث ساقية سيدي يوسف ومآثرها ودروسها؟