الجزائر موريتانيا.. نموذج جديد لوفاق سياسي

+ -

باتت العلاقات الجزائرية الموريتانية جديرة بأن تكون نموذجا جديدا لعلاقات مثمرة وإيجابية وسقفا غير مسبوق من التفاهمات السياسية، تعززها كثافة الزيارات المتبادلة في الفترة الأخيرة لكبار المسؤولين من البلدين ويغذي ديمومتها تنفيذ سلسلة المشاريع الاقتصادية الحيوية بالنسبة للبلدين، ما يوفر كامل الظروف لتطوير البنية التحتية للتعاون الاقتصادي وتعزيز التبادل التجاري ومعالجة قضايا الأمن والحفاظ على الاستقرار.

إذا كان بيان الرئاسة بشأن الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون مع نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قد حمل صيغة "التهنئة" للرئيس الموريتاني لاختياره لرئاسة قمة الاتحاد الإفريقي التي ستعقد في أديس أبابا في 17 فيفري الجاري، فإنه محمول في نفس السياق على وجود دعم سياسي كبير من قبل الجزائر لموريتانيا ممثلة في رئيسها، ووجود بالغ الثقة في شخص الرئيس ولد الغزواني للاستمرار في مواقفه الإيجابية من القضايا الإقليمية والإفريقية، وهو ما عبر عنه البيان بأنه "اختيار يُشرّف دول وشعوب المنطقة ككل وأنه سيجد الجزائر دائما إلى جانبه للقيام بمهامه النبيلة".

 

الكثير من المعطيات

 

تبدو العلاقات الجزائرية الموريتانية في مستوى وصفه وزير الخارجية عطاف "بأبهى مراحلها التاريخية تطورا وحركية"، وفي مرحلة غير مسبوقة من التعاون السياسي والاقتصادي، تفسره الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين من البلدين في الفترة الأخيرة، فإضافة إلى زيارة عطاف، كان وزيرا التجارة والمالية الطيب زيتوني وعبد العزيز فايد قد زارا نواكشوط قبل فترة لافتتاح بنك جزائري ومعرض للصادرات الجزائرية، وزار رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية محمد بمب مكت الجزائر قبل أقل من أسبوعين في زيارة رسمية استغرقت أربعة أيام والتقى الرئيس تبون.

لكن هذا التواصل السياسي الذي كانت بدأت أول مؤشراته عام 2018 تترجمه ميدانيا حزمة المشاريع والتكاملية والاندماجية، بينها تدشين المعبرين الحدوديين والمشروع الاستراتيجي لإنشاء الطريق البري تندوف-الزويرات لتسهيل حركة الأشخاص والسلع ومضاعفة التبادل التجاري إلى السوق الموريتانية، ومنها إلى السنغال ودول إفريقيا الغربية، ضمن توجه جزائري نحو رهان سياسي واقتصادي جديد لإعادة التموقع في غرب إفريقيا تحقيقا لمصالح مشتركة، ثم تدشين وكالتين لأول بنك جزائري في موريتانيا وإقامة أول معرض دائم للمنتجات الجزائرية، إضافة إلى مشروعات في مجالات تكنولوجيا الإعلام والاتصال والتجارة والفلاحة والصيد البحري، ناهيك عن المشاريع التي تخدم البعد الإنساني والاجتماعي، وإذا كانت جملة هذه الزيارات رفيعة المستوى لكبار المسؤولين في البلدين والتطورات الإيجابية على الصعيد الاقتصادي بين الجزائر وموريتانيا تعزز دخول العلاقات بين البلدين عهدا جديدا بمقاربة تؤدي فيه المصالح الاقتصادية دورا لصالح التوافق السياسي، فإن ما يعزز التقارب الجزائري الموريتاني عاملان أساسيان، الأول يتعلق بمشاركة نواكشوط للجزائر في كثير من الهواجس والانشغالات المرتبطة بواقع المنطقة وتحدياتها، وهو ما عبر عنه بوضوح وزير الخارجية أحمد عطاف خلال زيارته إلى موريتانيا الأربعاء الماضي، حيث أكد أن البلدين "يتقاسمان انشغالا عميقا إزاء ما يحيط بهما من توترات في بيئة إقليمية مضطربة، وفي هذا الإطار وبناء على ما يجمع البلدين من مواقف مبدئية وتوجهات متجانسة وباعتبارهما موطني استقرار وأمن في منطقة أضحت عنوانا للااستقرار واللاأمن" أعلن عن "مسعى مشترك للحد من تداعيات الوضع الجديد الذي تفرزه تحولات وأزمات إقليمية حادة، عبر تكثيف جهودهما المشتركة من أجل التأثير بصفة إيجابية على مجريات الأمور لما فيه خير لبلدان وشعوب جوارهما الإقليمي".

ويتعلق العامل الثاني الذي يجعل من نواكشوط محل تقدير إيجابي لدى الجزائر بكون موريتانيا تحافظ على قدر كبير من استقلالية قرارها السياسي من أي تدخلات من فواعل إقليمية أو طارئة على المنطقة، إذ ترفض نواكشوط الانجرار إلى مغامرات سياسية إقليمية تقودها المغرب والإمارات والكيان الصهيوني، تستهدف خلخلة الهندسة الجغرافية السياسية للمنطقة، وتنأى بنفسها عن المشاركة في مخططات لن تعود بالنفع على المنطقة بقدر ما تضعها أمام ظروف مستقبلية بالغة الهشاشة.

وتفسر هذه التقديرات السياسية إعلان الرئاسة الجزائرية عن مشروع زيارة ثانية مرتقبة للرئيس ولد الغزواني إلى الجزائر قريبا بعد زيارة أولى كان قد قام بها إلى الجزائر في 27 ديسمبر 2021. ويعتقد أن تحمل الزيارة المقبلة تكريسا للتحول الذي تشهده العلاقات الثنائية إلى أن تصبح علاقات استراتيجية، بعدما نجحت جهود التشبيك السياسي والاقتصادي ودمج المصالح والاهتمامات المشتركة.