"ما يصدر في فرنسا بخصوص العالم العربي ليس بريئا"

+ -

يعتقد الدكتور محمد خوجة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، أن ما يصدر عن دور النشر الفرنسية، بخصوص العالم العربي، ليس بريئا في محتوياته، ولا في توقيته. وقال الدكتور خوجة لـ«الخبر” إن صدور كتاب في فرنسا عن حاكم عربي، أو شخصية نافذة في دولة عربية ما، سيتضمن بالتأكيد تفاصيل عن شخصيات سياسية فرنسية، تستغل وتوظف سياسيا وإعلاميا في الشأن الداخلي الفرنسي.تصدر من حين لآخر في فرنسا كتابات حول الزعماء العرب، تنتقد بعضهم وتمجد بعضهم الآخر، ما هي القراءة التي تقدمونها لهذه المؤلفات؟ هذه المؤلفات عبارة عن جزء من كتب كثيرة تصدر عن العالم العربي في فرنسا، لمتابعة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة المهمة في العالم، والتي يقع بها نصف احتياطي الطاقة عالميا، وتملك سيولة مالية كبيرة. ترى فرنسا حكومة وشركات أنها تملك التجربة التاريخية التي تمزج الإغراء والضغط للحصول على نصيب من هذه السيولة. صدور كتب عن العرب حكاما ومجتمعات مرتبط كذلك بطبيعة العلاقات المعقدة بين فرنسا والعالم العربي، وبالأخص بالمغرب العربي، حيث تطفو تراكمات التاريخ والثقافة والسياسة، من حين لآخر في شكل قضايا وإشكالات، وتحرك هذه الإصدارات الرأي العام الفرنسي يمينا أو يسارا، تبعا لتوجهات سبر الآراء والحملات التي تطال الحزب الحاكم أو الشخصية السياسية التي تتصدر الحدث الإعلامي والسياسي.ومن المهم التوضيح، أنه بالإضافة إلى عشرات الكتب التي تنشر في فرنسا عن الحكام العرب، هناك كذلك عشرات الكتب الجادة التي تتناول العالم العربي بموضوعية، وتحاول أن تصحح الصورة المشوهة عن الإسلام والعرب، مثل الكاتب الصحفي ”إيدوي بلينال” الذي نشر، السنة الماضية، كتابه ”من أجل المسلمين”، والذي أدان فيه المثقفين الفرنسيين الذين ينطلقون من خلفيات أيديولوجية عنصرية للترويج للإسلاموفوبيا بفرنسا، وبيّن أن هذه الإسلاموفوبيا بلغت حدا لم يعد من الممكن السكوت عنه أخلاقيا، كما يبدو في كتاب: ”أفكار مسبقة عن العالم العربي”، تحت إشراف بيار فارمرن، ومشاركة جورج مورن وفيليب دروز فنسان، وكتاب جون ريشارد باون بعنوان: ”الإسلام العدو المثالي”.هل تخضع هذه المؤلفات لحسابات سياسية، أم فقط هي موجهة من قبل دور النشر التي تبحث عن الترويج لهذه المؤلفات؟هذه المؤلفات ليست بريئة في محتوياتها ولا في توقيتها، ولا حتى في العناوين التي تحملها، هي جزء من الصراع السياسي في فرنسا، هناك ارتباطات وعلاقات قوية بين كثير من السياسيين الفرنسيين وبعض قادة الدول العربية، وصدور كتاب عن حاكم عربي أو شخصية نافذة في دولة عربية ما، سيتضمن بالتأكيد تفاصيل عن شخصيات سياسية فرنسية، تستغل وتوظف سياسيا وإعلاميا في الشأن الداخلي الفرنسي. وهناك أيضا السعي للبحث عن الترويج لهذه المؤلفات، قصد الربح المادي السريع، نظرا لوجود جالية عربية معتبرة في فرنسا وأوروبا.في حالة المغرب مثلا هل تؤثر تطبيع العلاقات بين الملك وبين اليسار واليمين على حد سواء، على طبيعة هذه الكتابات؟ يشكل المغرب حالة خاصة في نوعية الكتب التي تصدرها دور النشر الفرنسية عن العالم العربي، سواء من حيث المضمون أو من حيث كثرة العناوين، وهي إما نقد قوي يتناول التدقيق في الشأن الداخلي المغربي بما في ذلك سيرة الشخصيات النافذة في الحكم، ككتاب ”محمد السادس خلف الأقنعة” الصادر السنة الماضية عن دار ”نوفو موند” للصحفي عمر بروكسي، وتقديم جيل بيرو، صاحب كتاب ”صديقنا الملك” الذي أثار جدلا سياسيا وإعلاميا عند صدوره في بداية الثمانينات، أو كتب ما يمكن أن نطلق عليها كتب ردود الفعل لتلميع الصورة الداخلية، مثل ”جان كلود مارتيناز” بعنوان ”الملك المثبت” الصادر في شهر ماي الماضي، والذي يكاد يكون ردا مباشرا على كتاب ”الملك المفترس” للصحفي إريك لوران وكاترين ڤراسيت الصادر سنة 2012، وبالمناسبة هما نفس الكاتبين اللذين أثارا جدلا إعلاميا في الأسابيع الماضية، حول ملابسات تسوية عدم نشر كتاب حول المغرب يتضمن معلومات حساسة حول القصر الملكي، مقابل مبلغ مالي. لكن الثابت هو العلاقات القوية بين القصر الملكي والطبقة السياسية الفرنسية في السلطة كما في المعارضة، وأحسن من وصف هذه العلاقة هو جون بيار تيركو في كتابه: ”جلالة الملك، أدين بالكثير لوالدك.. فرنسا - المغرب، قضية عائلة” الصادر سنة 2006.بينما في الحالة يظهر أن الأمر مغاير تماما في الحالة السورية، لماذا؟ الأمر مرده إلى طبيعة العلاقة التي تربط كثيرا من السياسيين الفرنسيين بالمغرب، وليس فقط بالقصر الملكي، كتب كثير أشارت إلى أن الأمر مرتبط باعتقاد فرنسي بأن المغرب هو الحليف الأقوى لفرنسا في العالم العربي، وليس فقط في المغرب العربي، لأسباب كثيرة، ولكن من المهم الالتفات إلى دور لوبيات المال الفرنسي في المغرب، وعلاقاتهم بالسياسيين الفرنسيين، وإلى الأملاك العقارية لكثير من الشخصيات الفرنسية في المغرب.وجه باسكال بونيفاس نقدا لاذعا للنخبة المثقفة الفرنسية، من بيرنارد هنري ليفي إلى آلان فنكينكرولت، هل بلغت هذه النخبة حدا كبيرا من الفساد؟ يمكن القول إن خطورة الأمر تتجاوز مسألة الفساد، وتصل خطورتها إلى تهديد تماسك نسيج المجتمع الفرنسي، لأنها كتابات تحريضية من منطلقات إيديولوجية متطرفة، كما وضحها الكاتب الفرنسي إيدوي بلينال، إن القضية مرتبطة أيضا بمسؤولية هذه النخبة في الأزمات المعقدة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا في فرنسا، والعجز المزمن الذي تعانيه هذه النخبة في إيجاد الحلول، يدفع بعضها، مثل برنارد ليفي وآلان فنكينكرولت، إلى تغليط الرأي العام الفرنسي بمواقف وقضايا تحمل طابع التهويل والتخويف.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات