+ -

يقول الحقّ سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}. في مثل هذا الشّهر، شهر ربيع الأوّل، أشرق النّور وبزغ الفجر، ووُلِد خير البشر، رسولنا محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم، الرّحمة المُهدَاة، والنِّعْمَة المُسْداة. لقد كان العرب قبل بعثته صلّى الله عليه وسلّم يعيشون في جاهلية جهلاء كالأنعام، يعبدون الأصنام، ويستقسمون بالأزلام، يأكلون الميتات، ويئدون البنات، ويسطو القويّ منهم على الضّعيف، فأذن الله للّيل أن يَنجلي، وللصُّبح أن ينبلج، وللظُّلمة أن تنقشع، وللنّور أن يشعشع، فأرسل الله رسوله الأمين الرّءوف الرّحيم بالمؤمنين، أفضل البريّة وأشرف البشرية: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }، فاختاره الله للنُّبوة، واجتباه وأحبَّه للرِّسالة.إنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي زكّى الله به نفوس المؤمنين، وطهّر به قلوب المسلمين، وجعله رحمة للعالمين، وحُجّة على الخلائق أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا أبدًا إلى يوم الدِّين، لقد كانت ولادته فتحًا، وبعثتُه فجرًا، هَدَى الله به من الضّلالة، وعلّم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به أعيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا، وكثّر به بعد القلّة وأعزّ به بعد الذِلّة.إنّه رسول الله: خليل الرّحمن، وصفوة الأنام، لا طاعة لله إلاّ بطاعته: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}، ولا يتمّ الإيمان إلاّ بتحقيق محبّته: “لا يُؤمن أحدكم حتّى أكونَ أحَبَّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين”، كان صلّى الله عليه وسلّم أعلى الخلق أخلاقًا، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثًا، وأجودهم نفسًا، وأسخاهم يدًا، وأشدّهم صبرًا، وأعظمهم عفوًا.إنّه رسول الله: الّذي شرح الله صدره، ورفع ذِكْرُه، ووضع وِزرُه، وأتَمّ أمره، وأكمل دينه، وأبرّ يمينه، ما ودّعه ربّه وما قلاه، بل وجده ضالاً فهداه، وفقيرًا فأغناه، ويتيمًا فآوَاهُ، وخيّره بين الخُلد في الدّنيا وبين أن يختار ما عند الله فاختار لقاء الله.إنّه رسول الله: خير مَن وَطِئَ الثَّرَى، وأوّل مَن تُفتَح له الفِردوس الأعلى، فصيحُ اللِّسان، واضح البيان، موجز العبارة، موضح الإشارة، آتاه الله جوامع الْكَلِمِ، وأعطاه بدائع الْحِكَمٍ، ولله دُرّ الشّاعر:وأفضل منك لَم تر قَطُّ عينيوأحسنُ منك لم تَلِدِ النّساءخُلِقْتَ مبرّأً  مِن كلّ عيبكأنّك قد خُلِقْتَ كما تشاءإنّ من أعظم حقوق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علينا أن نُطيعه، ونتّبِع سُنّته وننفّذ أوامره، ونَسلُك طريقه، ونقتدي به، يقول الإمام مالك رحمه الله: “السُنّة سفينة نوح، مَن ركبها نَجَا، ومَن تخلّف عنها هلك، ولا يَصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صَلُح به أوّلها”.وإنّ من حقوقه صلّى الله عليه وسلّم علينا أن نقرأ سيرته، وأن نتدبّر حياته، وأن نستمع إلى أخباره، فإنّه الأسوة والقُدوة لنا في أمورنا كلّها: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةُ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}، فسيرته صلّى الله عليه وسلّم دواء للقلوب، وصلاح للعقول، وشفاء للنّفوس، وهي التّطبيق العملي والتّفسير التّطبيقي والنّموذج الحيّ للقرآن الكريم، كما وصفته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها بأنّه كان قرآنًا يَمشي على الأرض.ومن حقوقه صلّى الله عليه وسلّم علينا أن نَنْصُره، وأن نتصدّى لكلّ مَن يَسُبّه أو يلفّق التّهم ضدّه، أو يُحاول أن يُطفئ نوره، وما أكثرهم في هذا الزّمان لا كثّرهم الله.ومن حقوقه صلّى الله عليه وسلّم علينا محبّته وإجلاله وتعظيمه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنَ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.إنّ محبّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليست أقوالاً ولا دعاوى، وإنّما محبّته تعني طاعته واتّباع سُنّته: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات