الرئاسيات.. الأحزاب تحضر على نار هادئة

38serv

+ -

بعد مرحلة طويلة من الهمس، احتل موضوع الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيزا في خطابات وأنشطة الأحزاب، في شكل إعلان المشاركة أو التعبئة والتحسيس لاستحقاق أو إصدار تصريحات بشأنها أو إدراجها في مواضيع الندوات والملتقيات الحزبية، بما فيها تلك التي قاطعت أو لم تشارك في رئاسيات 2019.

برز في الحديث عن الموعد، انخراط عدة أحزاب وحركات لم تشارك أو قاطعت أو ترددت أو شاركت ولم تقدّم مرشحا يمثلها في السباق نحو قصر المرادية، في الحديث المبكر على الاستحقاق الرئاسي، كل حسب تصوره وقناعاته وطبيعة تفاعلاته وعلاقته مع السلطة، كجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب الاتحاد من أجل الرقي ومعها أحزاب التكتل المسمى البديل الديمقراطي.

وإن بدت هذه الأحزاب شبه متوحّدة في المشاركة في الحدث، فإنها متباعدة في شكل هذه المشاركة بين من يترشح ويتحالف أو من يكتفي بالإعلان عن المشاركة دونما تقديم مرشح، مثلما جرى مع حركة النهضة في المحطة السابقة.

وعادة ما تتريّث التيارات المعارضة في إصدار مواقف المشاركة أو المقاطعة إزاء الانتخابات، بوصفها قرارات تاريخية ولا تمر من دون أن تترتّب عنها آثار سياسية، غير أنها حاليا بدأت تبعث، باكرا، بإشارات وانطباعات حول الموضوع.

وفي ظل غياب مواقف واضحة للأحزاب المقاطعة أو غير المشاركة في الاستحقاقات الماضية، تعتبر طبيعة الخطابات السياسية ونوعية المفردات المختارة في بياناتها، خلال الفترة التي تسبق الاستحقاقات، استدلالات ومؤشرات لتحديد اتجاه التشكيلة الحزبية، في انتظار الفصل في خيارتها بصراحة.

بالنسبة لحزب العمال الذي لم يشارك في الرئاسيات السابقة، فإنه لم يفصل في موقفه بعد، حسب ما ذكر رمضان تعزيبت، عضو المكتب السياسي، مشيرا إلى أن الأولوية حاليا هي "تعبئة المواطنين وتحسيسهم بالتحديات والرهانات القائمة، وأيضا المساهمة في حلحلة المشاكل المطروحة في الساحة الاجتماعية". ويرى الحزب أن عدم تواجده في الرئاسيات الماضية لا يعني مقاطعته لها وإنما عدم مشاركته فيها، على أساس أنه ثمة فرقا بين المفهومين من الناحية السياسية.

وحول ما إذا يمكن فهم نشاطات الأمينة العامة وما يتضمنه خطابها السياسي الداعي إلى الانتباه للمخاطر المحدقة بالبلاد واحتمالات استغلال المواعيد الانتخابية، كفرصة للتدخل في الشؤون الداخلية، وأيضا لقاءها برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمثابة مؤشرات على وجود توجه نحو المشاركة في الرئاسيات القادمة.

وفي تعليقه على الموضوع، أفاد البرلماني السابق في اتصال مع "الخبر"، أن هذا الاستحقاق محطة هامة جدا ويتعين إنجاحها وإجراؤها في كنف الاستقرار والطمأنينة، لوجود قوى تنتظر هذه المناسبات وتعتبرها فرصة مواتية للتدخل في شؤوننا وإشاعة الاضطرابات في حالة لم تنجح وتصاحبها قلاقل.

وبالتالي، ليس بالضرورة، برأي تعزيبت، تقديم قراءة أو التكهن بموقف الحزب قبل اجتماع اللجنة المركزية لمناقشة الموضوع، مشيرا إلى أن "خطابنا السياسي يدعو ويعمل لاجتياز هذا الاستحقاق بطريقة عادية وفي استقرار"، من دون أن يكشف عن موقف حزبي واضح تجاه الحدث.

وبالرغم من تأخير الحزب للفصل في الموضوع، بحجة عدم استباق الأحداث، بتعبير تعزيبت، إلا أن كل المؤشرات وطبيعة الخطاب السياسي المطروح من قبل الأمينة العامة لويزة حنون، في التجمعات الميدانية وكلماتها بعد لقاءات المكتب السياسي، يشكل انطباعا لدى المتابع للشأن السياسي، بأن هذه الأخيرة ستكون حاضرة في الموعد، لكن من دون أن يتضح شكل الحضور، سواء عن طريق الترشح أو الترشيح أو التحالف مع مرشح آخر. غير أن تعزيبت نفى فرضية تحالف حزبهم مع حزب آخر، انطلاقا من اختلاف البرامج السياسية والتوجهات الحزبية بين التشكيلات الحزبية.

ويختلف الأمر نسبيا مع جبهة القوى الاشتراكية التي طوّرت خطابا سياسيا مخالف تماما لموقفها في الرئاسيات السابقة، وأعلنت بأنها "معنية بالاستحقاق الرئاسي"، وفق ما جاء في كلمة للأمين الأول، يوسف أوشيش، في آخر دورة لمجلسه الوطني.

ومن السهل تكهّن موقف جبهة القوى الاشتراكية من الرئاسيات المقبلة وتطبيع العلاقة مع الصندوق دون التخلي عن خط المعارضة، بينما يبدو صعبا تصور شكل هذه المشاركة إن كانت عن طريق ترشح الأمين الوطني الأول يوسف أوشيش، أو ترشيح شخصية تحظى بالإجماع، أو التحالف مع مرشح من خارج الحزب. الأمر الذي لم يظهر عنه أي مؤشر أو تصريح ولا حتى تلميح خلال أنشطة أو خطابات الحزب.

من جانبه، يتعاطى التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، بمقاربة مختلفة مع الانتخابات الرئاسية، وإن كان يشترك مع حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية في عدة أفكار ورؤى متعلقة بالحريات والانفتاح السياسي والدعوة إلى إطلاق سراح مساجين.

ويرى رئيس الحزب، عثمان معزوز، أن هذه المحطة مهمة وتستدعي تهيئة ظروف مواتية قبل خوضها، كـ "بعث حوار مع الطبقة السياسية والمجتمع لاستعادة الثقة، بالنظر إلى الغلق القائم في المجال السياسي وتدهور الوضع الاجتماعي والخطر المتنامي على حدود البلاد".

ورغم هذا التصور المسبق عن الموضوع، لم يفصل الحزب بشكل نهائي في مسألة المشاركة من عدمها في الاستحقاق، حيث ذكر معزوز في اتصال مع "الخبر"، أن القرار يتخذ على مستوى الدورة القادمة في المجلس الوطني بعد إثارة النقاش حوله.

وفي رده على سؤال حول مدى رغبته في الترشح لأعلى مسؤولية في البلد، لم ينف الرجل ولم يؤكد وجود هذه النية، ما دام المجلس الوطني لم يفصل في المسألة. معتبرا أن طموحه الشخصي مرتبط بالمناضلين وموقف الحزب من الاستحقاقات وظروفها.

ومن اللافت أيضا في فئة المقاطعين أو غير المشاركين، إعلان رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، زبيدة عسول، عن نيتها للترشح في السباق نحو قصر المرادية، بعدما كانت في الموعد السابق من أبرز الرافضين له.