+ -

أكد مدير معهد البحوث والدراسات الجيو إستراتيجية للعالم العربي بباريس، أحمد البرقاوي، في حوار لـ"الخبر"، على أن “القراءة الموضوعية والمنطقية الوحيدة لاستغلال الجزائر للغاز الصخري تتمحور حول إرادة الدولة في سد النقص بعد تدني أسعار البترول”، إضافة إلى القراءة الجيوسياسية التي تتلخص في فوز بوتفليقة بعهدة رابعة، “وكذلك هاجس المعارضة التي تبنت الملف لتبرهن أنها الطرف القوي الذي من شأنه مساندة المناهضين”، موضحا أن “الشعب الجزائري لا يدرك مدى الثروات الطبيعية التي تزخر بها الجزائر، والتي تحلم بها كل دول العالم”، علما أن الجزائر هي رابع دولة بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين والأرجنتين التي تملك هذه الثروة الطبيعية من الغاز الصخري.ما هي قراءتكم الجيو إستراتيجية لواقع أحداث عين صالح، وسط خروج المتظاهرين المناهضين لاستغلال الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية؟  القراءة الأولى هي جيو سياسية، حيث تعمل بعض الأطراف على توظيف هذا الحدث للعودة إلى المشهد السياسي، بعد أن تخللته عدة وقائع منذ الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومن حوله، وبالتالي الرجوع إلى مقدمة الساحة السياسية.أما القراءة الثانية فتتلخص في وجود بعض الإشكالات الاقتصادية التي بدأت تلوح في الأفق أمام السلطة في الجزائر؛ فبعد هبوط الأسعار البترولية ونقص توريد الغاز الجزائري ظهر هاجسان، أولهما الهاجس السياسي وما يمكن أن ينجر عنه من تبعات إقليميا ودوليا، ناهيك عن التحولات التي يمكن أن يخشاها الساسة الجزائريون الذين يريدون تجنب ما حدث في الجزائر خلال التسعينيات.وثانيهما الهاجس الاقتصادي ويتمثل في رؤيتين: الأولى خاصة بالمعارضة التي بدأت تظهر في الأفق، أما الثانية فهي متعلقة بالساسة الذين يحكمون في قصر المرادية، والذين أبدوا انزعاجهم من الهبوط الدراماتيكي لسعر برميل البترول الذي وضعوا من خلاله ميزانية الدولة الجزائرية، على أساس أن برميل البترول لن ينزل إلى أقل من 80 دولارا، في حين أنه أصبح سعره يتراوح ما بين 50 و60 دولارا، ما يفسر حاجة الدولة الجزائرية لسد هذا النقص من الموارد في الخزينة من خلال التنقيب عن الغاز الصخري. والجزائر كما نعلم تعد رابع دولة تملك ثروة الغاز الصخري بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين ثم الأرجنتين.وما أريد أن ألفت إليه انتباه القراء هو أن الغاز الصخري يوجد في أمريكا ويتعامل به في الصين والأرجنتين أيضا. فرنسا أرادت البدء في التنقيب عن هذا الغاز في الشمال بالقرب من مدينة ليل، لكن ذلك قوبل بالرفض من قِبل بعض الأحزاب البيئية، وبما أن الحكومة الفرنسية الحالية هي اشتراكية وقريبة من أحزاب الإيكولوجيا “الخضر” فعملت على تجنب إغضابها.وفي الجزائر كان هناك ظهور لبعض الملامح والمؤشرات تقول بأنها ترغب في أن تتغير من الجانب السياسي، فبعد قيام الربيع العربي، التي تأثر به العالم العربي إلا الجزائر، التي بقيت في حالة “ستاتكو”. ومثل هذه الثورات بدأت في الأساس من الجزائر في بداية التسعينيات، عندما أرادت شريحة كبيرة من الشعب الجزائري أن تغير النمط السياسي وطبيعة الحكم في الجزائر، فاصطدمت بالمواجهات المسلحة الدموية، وقد استغلتها أطراف أخرى، ما أدى إلى إجهاض العملية؛ عملية الانفتاح السياسي وعملية التعددية الحقيقية.الدولة تصر على التمسك بمشروعها رغم أعمال العنف المتواصلة بعين صالح وسقوط عدد من الجرحى، لتيقنها بأن البديل الوحيد للذهب الأسود أمام انخفاض أسعار البترول يكمن في استغلال الغاز الصخري بأي شكل من الأشكال، فكيف تصفون هذا القرار؟ أعتبر أن هذه المواجهة بين الرافضين للاستغلال والسلطة نتيجة طبيعية وأمرا عاديا، ولا يمكن أن تؤخذ كمؤشر يعتمد عليه الخبراء والباحثون في الحكم على طبيعة التغير المجتمعي. هناك تحول جذري للمشهد السياسي في الجزائر، وأقدم على ذلك مثالا بما جرى من أعمال شغب بمدينة نونت الفرنسية، حيث اعترض جزء من السكان على مشروع إنجاز المطار، ووقعت صدامات عنيفة بين المتظاهرين ورجال الشرطة أسفرت عن سقوط جرحى، غير أنه لا يمكن أن نقول إن هناك تحولا في المجتمع الفرنسي كبنية في حد ذاته وإنما تلك المظاهر هي إحدى المظاهر الطبيعية لسيرورة وتطور مجتمع ما؛ فبين كل فترة وأخرى لابد لهذه المجتمعات أن تعترض على النظام، وبالتالي لا يمكن أن أجزم بإطلاق قراءة سياسية مفصلية لهذه المظاهرات التي وقعت في عين صالح وأغلب الولايات في الجزائر، وهي كسابقة تعبّر عن امتعاض جزء من الشعب من المرحلة الحالية وعن مخاوف من الأزمة الاقتصادية. ثم إنه كما نعلم، وخلال العشرية السابقة، استطاع النظام في الجزائر أن يغطي ويلبي رغبات الشعب الجزائري، وخاصة ذوي الحاجة، وذلك بإعطائهم أموالا تعوضهم عن المطالب الاجتماعية، وكأن ذلك نوع من تسكين الأوجاع. ونحن نعلم أنه في السنوات الفارطة شهد سعر برميل البترول بلوغه أعلى مستوياته، فانتهجت الدولة الجزائرية ذلك طريقا لإسكات بعض الأصوات المتعالية. ونتيجة للأزمة البترولية التي بدأت تتضح معالمها في العالم العربي والعالم أجمع، والضغط الكبير لهذه الطاقة صارت الجزائر مضطرة للاستجابة لبعض مطالب الشارع. والجزائر الآن هي في المرتبة الحادية عشر في تصدير البترول، كما أن لديها مخزونا بتروليا قويا جدا ولها خام من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أنها تزخر بطاقة بشرية قوية جدا أغلبها من الشباب، لكن معظمهم لديهم طموح خارج الجزائر. وهذه المفارقة أصبحت تزعج المواطن الجزائري وتقلق النظام الجزائري، وخاصة المعارضة التي تريد أن تمسك بزمام الأزمة لتعبّر عن قوتها.ما رأيكم في قول بوتفليقة، بمناسبة الاحتفال بذكرى تأميم المحروقات مؤخرا، إن الغاز الصخري “هبة” من عند اللّه ويجب استغلالها كثروة طبيعية؟  بوتفليقة لديه مستشارون، ونحن نعرف واقع الحالة الصحية للرئيس ونتمنى له الشفاء طبعا. أقول إن قراءته طبيعية، حيث يريد أن يؤمّن هذا النقص في الموارد للخزينة الجزائرية مهما كان الثمن. لكن الملاحظين يتساءلون: هل الجزائر في حاجة إلى هذه الموارد الطبيعية؟ فالبعض يقول نعم ولو كانت هذه الموارد في الولايات المتحدة الأمريكية أو بهذه الكمية في فرنسا لسعت هذه الأخيرة إلى استغلالها، كما أن العالم المتقدم والصناعي في حاجة إلى هذه الطاقة، وبالتالي فإن الرئيس بوتفليقة يريد أن يقول للشعب الجزائري: “نحن في حاجة لتغطية حاجاتنا، وأن تبقى الجزائر دولة قوية من الدول الأوائل القوية التي لها ثروات طبيعية وثروة بشرية مثقفة”. وفيما يخص الشعب الجزائري فهو يستمع أيضا إلى أصوات المعارضة التي تقول بأن هناك تبعات وخيمة على البيئة في حال استغلت الحكومة الجزائرية هذا الغاز، وطبعا هذه الموارد توجد بعيدا عن المدن الكبرى، وهناك خبراء لا يرون بأنها ستحدث تغييرا بيئيا جذريا قد يؤثر على صحة الإنسان. هذا ما درسناه، وأنا لا أعطي رأيي الشخصي وإنما أتحدث كمراقب وملاحظ فقط.الغاز الصخري ثروة طبيعية يمتلكها كل الجزائريين، ويجب التحري عن موقعها وعن حجمها وعن مدى حاجة الشعب الجزائري إليها، وإذا كان بحاجة إليها فلابد من تمكينه منها. والمشكلة في الجزائر تكمن في جهل الشعب مدى ثراء بلده، كما أنه لا يعلم مدى تمكينه من ثرواته الطبيعية التي يملكها.فالجزائر تمتلك ثروات طبيعية غير أنها لا تسعى إلى توظيفها، عكس بعض البلدان التي لا تحوز على موارد في مثل مستوى الجزائر لكنها بالمقابل استطاعت أن تقلق دول العالم وأصبح لها بريق كقطر وعُمان، وبالتالي فالشعب ممتعض من هذه القاعدة، فرغم الثروات الهائلة التي يزخر بها بلده هو أنه غير قادر على أن يؤمن غذاءه ويحسن مستواه المعيشي، مثل بعض الدول الخليجية التي تتمتع بأرقى ما هو متاح من بنية تحتية تنجزها شركات كبرى عالمية. الجزائر ينقصها الاستثمار الداخلي، ولها إمكانات على مستوى السياحة يمكن تنميتها بشكل يسمح لها أن تكون أول دولة عربية وبمثابة “تنين” شمال إفريقيا، وباستطاعتها أن تقود العالم العربي إلى الأفضل، وكل الملاحظين يرون بأن هناك مؤشرات تؤهلها لبلوغ ذلك.كيف تصفون خروج المعارضة إلى الشارع وضم صوتها إلى المناهضين لاستغلال الغاز الصخري ؟  المعارضة الآن يتزعمها عبد الرزاق مقري الذي أصبح معارضا بعدما خرج من سدة الحكم، حيث كان من بين مساندي بوتفليقة. مقري خرج وتموقع داخل التحالف المعارض، وكأنه يعطي رسالة جديدة بأنه يجب خلق توازن بين السلطة والمعارضة. وسنشاهد خلال الأشهر القادمة نوعا من الصراعات لإيجاد تموقع للمعارضة وتحركات من الحكومة حتى لا تعطي فرصة للمعارضة بشكل تبدو فيه وكأنها تفتح بابا أمامها.يهتف المتظاهرون بأن مشروع استغلال الغاز الصخري هو مشروع فرنسي محض، فما قولكم؟ وهل بإمكانكم إعطاؤنا مقارنة بين الجزائر وفرنسا التي تمنع استغلال هذا الغاز الصخري منذ جويلية 2011 فوق ترابها حفاظا على سلامة بيئتها وصحة سكانها؟ أولا لا يمكن المقارنة بين فرنسا والجزائر بأي شكل من الأشكال، لأن فرنسا لها إمكانات أخرى تعتمد عليها الخزينة الفرنسية، وهي دولة مصنعة للأسلحة المتطورة ولها قدرات فلاحية تصدّرها للعالم. وكما نعلم، فإن فرنسا لها شركاء في العالم أجمع، عكس الجزائر التي ليس لديها شبكة شركاء واسعة، من هذا الباب لا يمكن المقارنة. في فرنسا لم يتم وضع مشروع استغلال الغاز الصخري في سلة المهملات، وإنما وقع تأخيره فقط، لأنه في سنة 2011 كان هناك التحضير للانتخابات الرئاسية، ولا هولاند الآن ولا ساركوزي يجرأ على إخراج هذا الملف، لأن وزيرة البيئة سيغولان روايال مصممة على منع هذا الاستكشاف، لاسيما أن التحضيرات أيضا للانتخابات الرئاسية المزمعة في 2017 انطلقت، وفرنسا بحكومتها الاشتراكية لا تريد إغضاب الشارع الفرنسي ولا الخضر (البيئة) في هذه المرحلة، عكس الجزائر.  وأنا أقول إنه ليست هناك سلطة فرنسية على الدولة الجزائرية. بعض الملاحظين قالوا بأن هناك دولا أوروبية تريد أن تستغني نوعا ما عن الغاز الطبيعي الذي يمر من روسيا عبر أوكرانيا، بالنظر إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، ويريدون دفع الجزائر لاستخراج هذا الغاز وتوريده نحو أوروبا، لكن الجزائر، في قراءة واقعية ومنطقية، تريد سد النقص عقب انخفاض أسعار البترول، وتبقى هذه هي القراءة الموضوعية الوحيدة لهذا المشكل الآن في الجزائر.     

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات